الحلقة الثالثة: جلاء النخبة والناس
لا يختلف في أن الجلاء الأكاديمي والوجاهة البحثية العلمائية المتخصصة التي سطعت أيام ملتقيات الفكر الإسلامي كانت لا تطال ، وهي مسحة النخبة الإسلامية وقد طبعت الملتقيات الأربع والعشرين بمسحة نخبوية كانت طاغية في التجليات والتناولات الأكاديمية ولقد كانت على مستويين
الأول تجلى في النخبة العلمائية والدكاترة والدعاة والاساتدة من أصحاب الشهادات العليا بمقاييس تلك الفترة
وهي النخبة التي ألقت عصارة فكرا إسلاميا معاصر بما يرتفع مستواه دون الناس وفهمهم العادي للقضايا ، لقد كان فكرا نخبوي منتظر أن يصل الناس العاديين ممن يجد ران لأجلهم كانت فكرة ملتقيات الفكر الإسلامي والصحوة الإسلامية لتصفية فهم تقليدي للإسلام .
والمستوى الثاني تجلى بوضوح في الحضور من أولئك الطلبة من العلوم الشرعية والدين واكبوا الملتقيات طويلا وهم أيضا يمكن النظر إليهم عبر منظورين
الأول أن إجمالي حضورهم على الامتداد الزمني الطويل لم يتجاوز الألف طالب في أقصى تقدير ،فيما أنهم أنفسهم كانوا من النخبة والدراسيين من طلبة العلوم الشرعية أيضا الأمر الذي ابقي كل شيء قيد الأكاديمية والنخبة ؟ وبين هؤلاء الطلبة كان القلائل القلائل من عشاق الفضيلة وبعض من الفضوليين والغيورين على مصاحبة مجالس العلماء .
إن حضور العدد الأولى من ملتقيات الفكر الإسلامي من الطلبة والذي عقد بالقبة لم يتجاوز مائتي طالب أو يزيد قليلا ،وان أقصى حضور للطلبة كان في عدد محاضرات قسنطينة ولم يتجاوز الستة مائة طالب في أقصى تقدير أيضا .
لقد كانت هذه التجليات من الأكاديمية والنخبة العلمائية علاوة على قلة حضور الطلبة و تكوينهم النخبوي أيضا مأزق ملتقيات الفكر الإسلامي ؟ فقد ابتعدت عن الأوساط الشعبية المعنية بما سينظم حياتهم فيما شكلت مثالب قاتلة في نقد الملتقيات ، فعلى هذه المستويات التنظيمية وضعف الحضوري الطلابي و الغياب التام للحضور الشعبي وانعزال الملتقيات عن طبقاته والاعتناء فقط بالنخبة في جميع الأصعدة الخطابية والبحثية والحضور فسر ضمور أثرها عند الناس رغم طول أزمنتها .
فلقد خاضت ملتقيات الفكر الإسلامي عقودها تحت هذه الاشتراطات التي لا تفهم بمقاييسنا الراهنة فهل كانت محاضرات متخصصة أو شيء لآخر ، وهي اشراطات كما يلي عالم جليل نحرير في فهمه وتفحصه واختصاصه العلمي يحاضر بلغته وعصارة تجاربه وتفكيره الأكاديمي وسط طلبة العلوم الشريعة يريدون السير على ذات المنهاج وحضورهم ضئيل جدا، فحين تقرأ أن العدد الأول من الملتقيات كانوا الطلبة لا يتجاوزن المائة والستين ل كان تتصور طبيعة تلك الملتقيات في غياب تام للأطياف الاجتماعية الأخرى والأطياف الثقافية المعنية بالفكر والثقافة الإسلامية .
إن هذا المأزق إن جاز تسميته بمأزق تلك الملتقيات جعل من المرور العلمائي والفكري في تلك الأزمنة دون اثر يذكر ؟ لأن كل شيء بقي رهين الاكاديمين و شرح وفهم النخبة وحوارات العلماء وطلبتهم فلم يصل الأوساط الشعبية من تلك الإشعاعات ضوء يذكر ، الأوساط الشعبية التي كانت وما تزال تعيش أدبان الملتقيات الفكر الإسلامي تحت منظومة من الإسلام التقليدي الذي لا يزيد عن ثقافة سؤال شروط الوضوء ومبالغ خروج الزكاة كل صوم ،فلا توافق بين هالة تلك الملتقيات التي ينظر إليها الآن كالطفرة العلمية الإسلامية العالمية والحجم الحضوري المتلقي لما كان طوال أزمنة الفكر الإسلامي .
قبل ملتقيات الفكر الإسلامي كان إسلام تقليدي يضرب بمحاذيره المجتمع الجزائري وبعد ملتقيات الفكر الإسلامي ظل الإسلام التقليدي نفسه لم يتغير سوى عند بضعة من الطلبة والعلماء والمفكرين المجتهدين الدين تغيرت تصورتهم إذ بدأت تطرق أبواب المعاصرة التفكيرية بفعل تجلياته ملتقيات الفكر الإسلامي ، فيما يقيه الناس في الأوساط الشعبيين من غير المتعلمين بقيت تصوراتهم تقليدية لم تتغير لأنه ببساطة أن سنوات ملتقيات الفكر الإسلامي لم تمسهم لا من قريب ولا من بعيد وإلا فالحال ليس بالحال ؟
الأوساط الشعبية من الأغلبية الغالبة والدين لأجلهم في اغلب الظن أقيمت أعداد ملتقيات الفكر الإسلامي للمساهمة في حل اشتباكاتهم وإشكالاتهم المعاصرة وعلى الأقل اقتيادهم و مساعدتهم في نحت فكر إسلامي معاصر يتعامل مع الاقتصادي والثقافي والسياسي بعقل معاصر.
على كل حال رغم أن ملتقيات الفكر الإسلامي كانت ثقافية بامتياز في حفرها الفقهي التنظيري المعاصر على قاعدة أن الثقافة الإسلامية كانت قليلة الاحتكاك بما هو طارئ ؟ وان القضايا الطارئة كالقروض وأطفال الأنابيب وإشكالات الحلال والحرام في بعض المنتجات الغذائية والمشروبات والتي اخدت تغزو العالم والكثير من القضايا الأخرى كالظواهر الجديدة وتعدد الزوجات والإشكال المرتبط بحقوق المرأة وقد ساهمت الملتقيات في إيضاح بعض تلك المسائل ، رغم ذلك لم تكفى اراداة تشريح الفكر الإسلامي ضمن قضاياه الشائكة .
كما أن استمرارية هذه ىالملتقيات شدت الألباب وجعلت الجزائر وكأنها مكة العلماء لولا مآلات حزينة أرادها سحرة الظلال ؟ لتبقى مفخرة الاحتضان الجزائري العلمي الإسلامي الاستثنائي اتضح أنها كانت بين النخبة والاكادميين والدارسين والباحثين ولم تنزل أدراج الشعبيين وعقولهم وعوام المسلمين في الجزائر وبقيت فصول بحثية على ضوء الأنوار الإسلامية ومرونة الفقه الإسلامي و حداثيته للتنظير للكثير من المسائل التي كانت عالقة ضمن اسلمة الحياة الثقافية والعلوم لكنها في الحقيقة كانت قد ارتكبت خطيئتها الكبرى و سقطت في مأزقها الأعظم إذ بقيت من أول عدد إلى آخر محاضراتها ليست سوى ملتقيات للفكر الإسلامي الأكاديمي النخبوي الذي برغم وجاهته قد ابتعد كثيرا عن آمال الناس و جاحاتهم في معطى إسلامي فقهي شعبي بسيط يحمى الناس من الأهوال الفكرية التي كانت متربصة في تخوم العقود التي تلت ملتقيات الفكر الإسلامي بما أفظع وانكي .
|
ليست هناك تعليقات