أخبار الموقع

اهــــــــلا و سهــــــــلا بــــــكم فــــــي موقع مجلة منبر الفكر ... هنا منبر ختَم شهادةَ البقاءِ ببصمةٍ تحاكي شَكلَ الوعودِ، وفكرةٍ طوّت الخيالَ واستقرتْ في القلوبِ حقيقةً وصدقاً " اتصل بنا "

يمارسون الأمومة.. ولا يدرون ... بقلم : فاديا سعد


 يمارسون الأمومة.. ولا يدرون
 بقلم : فاديا سعد
 5/5/2016


إذا اتفقت الشعوب على أمر فيما يخصّ الأمومة، فإنّه إجماعها على أنّ الأمّ تمنح ابنها هذا الإحساس العميق بالأمان والجمال، وهو إحساس لا تدخل في تركيبته القوانين أو الدساتير ولا حتى المؤسّسات؛ إنّه أحد القوانين والدساتير والمؤسّسات المخفيّة، تمارس طقوسه الأم تجاه طفلها، فتفيض الحياة أماناً ومتعة.

والحكايات عن بطولة الأمّهات في الدّفاع عن أولادهنّ تجاري عدد حبّات الرّمل في الصحراء، ولذلك نحن في عيدها نتحدّث عن القاعدة العامة، التي اختبرت على طول السنين.


من منّا لا يعرف هذه القصّة: في أحد الأيام لجأت امرأتين ومعهما طفل للقاضي للبتّ في قضيّة ادّعاء كلّ منهما بأنّ الولد ابنها، وحين احتار القاضي لمن منهما سيمنح الأمومة لجأ إلى حيلة تقضي بأن يوضع الطفل في دائرة وتشدّه المرأتان كلّ لاتجاهها وهما تقفان في اتّجاهين متعاكسين، فرفضت إحداهما صارخة أنّ الطفل سيتأذى فحكم لها القاضي بأمومة الولد.

صحيح أن هذه الحادثة قد تبدو ساذجة بعض الشيء في أيامنا إلاّ أنّها تفضي إلى أنّ الشعور العميق بالأمومة يدفعنا لممارسة الحماية تجاه أولادنا.

والظرف العادل لأمومة حقيقية هو حجر الأساس لإحساس في نمو إحساس سليم لدى الأبناء، فهي التي توحي بأن الشارع ما يزال بخير، والمنتزه بخير، والمدرسة كذلك، والمجتمع أيضا، ولذلك فالحياة بخير.

وبعيداً عن الأمومة بالمعنى المتعارف عليه بين الأنثى وأولادها، غالباً ما أفكر: "عندما يرحل من تبقّى من عمالقة الفنّ والسياسة والثقافة والرياضة والسينما والدين الخ... "كم" ستكون الحياة صعبة! ومن غير أمومة"؟؟.

إنّ الأمومة هي إحساسنا الناعم، الذي يتسلل إلينا ببطء وباستمرار ناجم عن تجربة الاستماع واللّقاء والحديث لما تنقله أفعال شخص ما، لنعترف ضمناً وعلناً، بأنّ وجوده في الحياة مهمّ ومتعة، ووجوده معنا تفاعل ضروري: نقول مثلاً، - لو تطل حديثها.. لو تطول فترة غناءها، لو يطول الوقت وهي ترقص بكلّ ما في رقصها من جمال، لو يطول الوقت في حضرة هذا الشاعر وشعره، وفي حضرة هذا الكاتب ونثره، وفي حضرة هذا الفيلسوف وأفكاره، وفي حضرة هذا السياسي ومواقفه- لماذا؟ أليس لأننا في حضرتهم عرفنا أهميّة الوقت أكثر وهم، بإعطائنا تلك المشاعر، قد مارسوا أمومة معينة؟.

فعلى سبيل المثال لماذا نحن على استعداد لنخرج آلاف مؤلّفة من محبّي الفنّ لوداع شخصية فنيّة مثلما خرج الناس لوداع أم كلثوم، وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش وأسمهان بدون أن يجبرهم أحد على القيام بذلك؟؟

لماذا خرجت الجماهير الفلسطينية لتودّع "ياسر عرفات" طواعية، وداعاً اكتسب في جزء منه طابع فقدان الأمان، أليس لأن شخصية مثل ياسر عرفات استطاع أن يمسك خيوط القضية بطريقة منحت الثقة للفلسطينيين بأن قضيتهم بأمان؟ وبفقدانه شعروا أنّهم ورقة في مهب الريح؟ فنحن نعرف أنّه من بين المجتمعات العربية بقي المجتمع الفلسطيني يتمتّع بقدر من ممارسة الديمقراطية نظرياً وعملياً، بعيداً عن ممارسة القمع بالمعنى الذي يعرفه الكثيرون.

مثال آخر: لماذا خرج الناس بالآلاف لوداع الليدي دايانا؟ أليس بسبب هذا الإحساس العميق عند الناس بأن قصص الحب الجميلة يجب ألاّ تموت وأن إحساسنا الناعم مهدّد بالقتل؟

لماذا أشعر أّنه إن ماتت بعض الشخصيات الثقافية فإننا سنحرم من هذا الاحساس العميق بالأمان على ثقافة ظهرت لنا على أيديهم جميلة، وظهرت بوجودهم قوية، وتجلّت في مسيرتهم واقفة على قدمين ثابتتين، أليس لأن هؤلاء استطاعوا بأدائهم العام ومن خلال نضالهم المميز، منح المثقفين الثقة، بأن وجود تلك الشخصيات، يمنحهم القوّة للدفاع عن الكلمة وقدرة الفكرة على التغيير والتطوير؟

هؤلاء الذين، وجودهم على قيد الحياة، جزء منه أمان نستند إليه، وجزء منه جمال ومتعة، وجزء ثالث دروس في النضال ينتقل إلينا... كلّها أجزاء من الأمومة يمارسونها علينا ولا يدرون.

وليس من برهان على هذه الأمومة سوى أنّنا نحلم ببقائهم على قيد الحياة.



ليست هناك تعليقات