لا يوجد أحد لا يتكلم أو يحس أو يعاني أو يكابد من الفساد المستشري.. ونسمع ونقرأ يومياً حكايات، يشيب لهولها الولدان عن الفساد بأنواعه وأشكاله.. بداية، بالرقم الكبير جدا لمزوّري الجنسية، وهم ممن يرضعون من المال العام المهدد بالجفاف..
هناك من حكى لنا عنهم، زميلنا مبارك الحبيب في القبس ملقباً إياهم بــ «الحرامية الذين يطالبون بتعويضهم من المال العام»! وهي قصص عديدة نراها في أروقة المحاكم، بتقديم الجهات الرسمية المنتمين إليها من الفاسدين إلى النيابة ومن ثم المحاكم، وحيث إن المحاكم لا تدين المتهم إلا بالدليل الثابت القاطع، فأغلب هؤلاء يحوزون أحكام البراءة لعدم كفاية الأدلة المقدمة من الجهة الرسمية، إن عمداً أو إهمالاً! وهي صورة من صور الفساد «المتعدد الرؤوس»، الأمر الذي يذكرنا بـ «تنين سان جورج»!
وقد أفلت العشرات من الفاسدين من العقاب بتلك الصورة الفاسدة.. ويا ليت الأمر يقتصر على ذلك، لا بل إنه يتعداه لأن هؤلاء الفاسدين يطبّقون المثل الكويتي «فوق شينه قواة عينه»! فهم عندما يحوزون حكم البراءة بعد التشهير بهم و«مرمطتهم» في المحاكم ـــ وهو جزاهم وأقل من جزاهم ـــ يرفعون دعاوى على الحكومة بتعويضهم عن تلك البهدلة والتشهير، ويكسبون أحكام التعويض ويتقاضون الآلاف من المال العام، فهم جناة تحوّلوا بفعل الفساد المتعدد الرؤوس إلى ضحايا!
***
وزير الصحة الجديد د.جمال الحربي «شاد حيله شوي» على أكبر بؤرة فساد عاصرناها، وهي وزارة الصحة.. ونتمنى ألا تكون شدة الحيل إعلامية.. لجانية فقط، أي تصريحات إعلامية وإحالة إلى لجان الوأد الإصلاحي!
آخر إجراء اتخذه الوزير الحربي هو إنهاؤه أو فسخه العقد المبرم مع مستشفى أكاديمية «كلينكوم شتوتغارت التابعة لجامعة توينغن الألمانية».. وقالت الوزارة بحيثيات الفسخ «انه جاء لمعالجة القصور، حيث كان من المفترض أن تؤدي إلى تطوير وتحسين الخدمات الطبية في مستشفى الرازي للعظام، إلا أن تقارير اللجنة المشرفة على الاتفاقية أظهرت عدم القيام بتنفيذ الالتزامات من قبل الطرف الألماني».. انتهى،
إلى هنا والأمور منضبطة، لكن التساؤل يثور حول أخبار مصدرها لجان تحقيق ألمانية، قالت إن عقد المعونة الفنية هذا بين الجامعة والمستشفى الألماني ووزارة الصحة الكويتية وردت به عمولة قدرها 12.6 مليون يورو ولطرف كويتي! وهذا طبعا يبين، بالإضافة إلى عدم جدية العقد، المبالغة في تكلفته لتغطية تلك العمولة الكبيرة.. ويبدو أن الألمان الذين صنعوا «المرسيدس» والــ «بي إم» و«الأودي»، تعلموا من «ربعنا» مبدأ «خذ من جيبه وعايده»!
راجين ألا يكون سبب فسخ العقد هو وأد خروقاته المالية المرفوع بشأنها شكاوى تنظرها الجهات القضائية!.. فإلى متى هذا التسيب والضحك على الذقون؟
يا إخواننا في الكويت والمجلس.. نريد ــ كمواطنين ــ أن نرى مكافحة فساد ذات أنياب ومخالب، وليس مكافحة فساد «نُص كُم»؛ على حد تعبير إخواننا المصريين!
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ليست هناك تعليقات