ارتجالاتٌ على قصيدةِ "فكّر بغيرِكَ" لمحمود درويش
*****
..
حينَ تُطِلُّ على نفسِكَ في مِرآةِ الصَّباحِ، فكِّرْ بنفسِكَ،
وانقُشْ غمّازَتَيْنِ على وجنتَيْها،
وَطَيِّرْ بَسْمةً طيِّبةً في الهَواءْ.
..
قبلَ أنْ تَمسَحَ شعرَكَ المكسورَ بزيْتِ الزَّيْزفونِ، فَكِّرْ بنفسِك،
وَدثِّرْ برمشَيْكَ قلبَ طفلٍ مِنْ بَرْدِ الرّخامِ
وَلا تنْسَ صبيّةً قشَّرَها العَراءْ.
..
حين تعقدُ حاجبَيْكَ على ياقةِ بذلةٍ مُنشَّاةٍ، فكِّرْ بنفسِكَ،
واحمِلْ بِيُسراكَ خيوطَها مِروحةً لمواسمِ القيْظِ
واجمَعْ بِيُمناكَ غمامةً ماطرةً للشِّتاءْ.
..
قبلَ أَنْ تنعَلَ حِذاءً من جلدِ سنجابٍ خفيف الظّلِّ، فكِّرْ بنفسِكَ،
ولا تُلْقِ لعنتَكَ السَّوداءَ على غابةٍ
ولا حصاةً في بئْرِ ماءْ.
..
حينَ تركضُ في الطَّريقِ لقطفِ أُمنيةٍ مُحلَّاةٍ، فكّر بنفسِكَ،
ولا تحرِقْ طريقًا مررْتَ فيهِ،
واحفَظْ من بقايا اسمِكَ الصّريحِ حَرفَيْنِ، في بقايا صَخرةٍ مَلساءْ.
..
قَبْلَ أنْ تديرَ خدَّكَ الأيسرَ للمخالِبِ، فكِّر بنفسِكَ،
ولا تهرُبْ من لُعبةِ المَرايا،
واذكرْ أنَّ في كلِّ حُنجرةٍ صرخةً خرساءْ.
..
حينَ تُشعِلُ موقدًا، لشِواء يمامةٍ زاجلةٍ، فكِّرْ بنفسِكَ،
ولا تثقُبْ سقفَكَ السّماويَّ بنابِ أفعى
ولا تستجِرْ بالنّارِ من رَمضاءْ.
..
قَبْلَ أنْ ترى نفسَك في عُيونِ الآخرينَ، فكِّرْ بنفسِكَ،
ولا تستبدلِ القِشْرَةَ بالنَّوى،
وابحثْ عَنْ دُروبِ مِلْحِكَ في النُّقطةِ السَّوداءْ.
..
حين يسقطُ منك دفترُ الوصايا، فكّر بنفسِكَ،
علِّقْ على أُذنيْكَ وصيَّةً أخرى
واربطْ على جفنَيْكَ العارِيَيْنِ حواريّةَ الصَّمتِ وحاءً بباءْ.
..
قبلَ أنْ تنامَ على سريرِكَ الأخضرَ، فكِّر بنفسِكَ،
وانفُخْ في رمادِ روحِكَ جمْرَةً
واسكُبْ آخرَ دمعةٍ على شِفاهِ شريدةٍ سمراءْ.
..
حينَ تحلُمُ بالجنّةِ الضّالّةِ في الشَّوارعِ، فكِّرْ بنفسِكَ،
أَضِئْ قَمَرًا أطفأَهُ الدُّخانُ
وافتَحْ نوافذَ عينَيْكَ للبَحْرِ والصَّخرِ والصَّحراءْ.
..
قبلَ أنْ تقطفَ زهرةً ريّانةً، فَكّرْ بنفسِكَ،
واسقِ تُرابَهَا المهدورَ من رضابِكَ
وزنِّرْ خصْرَها بالأَفْياءْ.
..
حينَ تُراقصُ نخلةً من زمنٍ بعيدٍ، فكِّرْ بنفسكَ،
وانثُرِ الرّيحَ على ساعِدَيْها
وابذُرْ تَمرَها في الأشياءْ.
..
قبلَ أن تفكِّرَ في نفسِك الصُّغرى، فَكِّرْ بنفسِكَ.
ففي السَّماءِ قليلٌ من هذِهِ الأرضِ
وفي الأرضِ كثيرٌ من هذي السَّماءْ.
|
ليست هناك تعليقات