أخبار الموقع

اهــــــــلا و سهــــــــلا بــــــكم فــــــي موقع مجلة منبر الفكر ... هنا منبر ختَم شهادةَ البقاءِ ببصمةٍ تحاكي شَكلَ الوعودِ، وفكرةٍ طوّت الخيالَ واستقرتْ في القلوبِ حقيقةً وصدقاً " اتصل بنا "

غموض اسمه مفهوم الثقافة ... بقلم : د. يسري عبد الغنى عبد الله



 غموض اسمه مفهوم الثقافة     
   بقلم :  د. يسري عبد الغنى عبد الله 
  مقالات ثقافية
  12/1/2017


مجلة منبر الفكر - د. يسري عبد الغني عبدالله

مازال مفهوم الثقافة لدينا غامضًا ، وعندما أردنا التعريف بمعنى الثقافة ترجمناه من اللغات الأجنبية ، ولم نصل إلى تعريف واضح المفهوم حتى يومنا هذا




إن كلمة ثقافة في اللغة العربية تعني الحذق ، فقد ثقف فلان العلم والصناعة أي أجادهما وعرفهما ، وثقف فلان ثقافة أي صار حاذقًا فطنًا ، وثقف الشيء أقام المعوج منه وسواه ، وثقف الإنسان أي أدبه وهذبه وعلمه ، وتثقف فلان على يد فلان أي تعلم وتهذب .
كل هذه المعاني لها صلة بمفهوم الثقافة التي تشمل العلوم والفنون والآداب والمعارف والعادات والتقاليد والقيم والمبادئ ، ولكنها ليست تعريفًا للثقافة ، وهي تربط بين التعليم والتثقيف ولا تفرق بينهما ، وجاء البعض ليفرق بين التعليم والتثقيف ، وشاع عند العرب في عصرنا تفريق بين المتعلم والمثقف ، حتى قال أحدهم : إن المثقف قد يكون أميًا لا يقرأ ولا يكتب .. وهذه إحدى عجائب هذا الزمان .. !! ، شعوبنا العربية التي تأكل حياتها وقدراتها الأمية الطاغية بجميع أنواعها ، يدعو بعض الناس من أبنائها إلى ثقافة بلا علم أو تعليم ، رغم أنه أصبح لدينا وزارات اسمها وزارات الثقافة ، مثل فرنسا .
ولم يدرك الذين أقاموا وزارات الثقافة في بلادنا أن هذه المرحلة سابقة لأوانها ، وقد غلبنا المظهر على الجوهر ، عندما كان أندريه مالرو وزيرًا لثقافة فرنسا بدأ بغسل واجهات البيوت في باريس بالماء لتبدو ناصعة بيضاء ، ففي أغلب شوارعنا وحوارينا لا يوجد بيت واحد له واجهة بيضاء ، لم ندرك أن الثقافة هي القمة العالية الرفيعة الجميلة المحققة للرقي والتحضر والوعي التي نصل إليها بعد أن يتحقق للناس تعليمًا محترمًا راقيًا ، والذي قال عنه طه حسين صاحب كتاب (أزمة الثقافة في مصر) أنه للناس مثل الماء والهواء .
والشيء العجيب هو أن بعض الفنانين في بلادنا يطالبون بوضع اللوحات الفنية والتماثيل ، في المباني العامة الكبرى لتزيين القاهرة مثلاً ، وقد استجابت الدولة لهم ، ولم يدركوا أن مدينة القاهرة المكتظة بأكثر من عشرة مليون نسمة تحتاج إلى كنس ورش ونظافة حواريها وأزقتها وشوارعها وميادينها ـ كما قال نابليون بونابرت ـ القاهرة في أمس الحاجة إلى أن تصبح مكنوسة ومرشوشة قبل أن نفكر في تزويقها بالتماثيل الجميلة التي نضعها في حديقة ورد يسر الناظرين ، وبالطبع لا يصح أن نضعها وسط مزابل يسكنها أطفال الشوارع ، واللوحة الفنية توضع على جدار لا تمتد إليه السكاكين والمطاوي ، ويكتب عليه كلمات مسيئة بذيئة بأسلوب خادش للحياء .
لا تغضب من كلامي ولا تزايد علي~ حين أحدثك هذا الحديث ، فقد عشت طفولتي وشبابي وكهولتي وشيخوختي التي أعيشها الآن في القاهرة ، وكم كتبت عنها ، فأنا أكثر عشقًا وحبًا لقاهرتي الصامدة ، وأشد وجدًا بها ، وعليه ليست المشكلة يا سادة أن تكون في بلادنا وزارات للثقافة ، ولكن المشكلة أن تكون عندنا ثقافة ولدينا وعيًا وإدراكًا وفهمًا وتحضرًا ، فقصة الثقافة عندنا لها حكاية أرجو أن يتسع صدرك أيها القارئ الكريم لتسمعها .
كان أحمد أمين هو الذي دعا إلى إنشاء الجامعة الشعبية ، من أجل تعليم الناس وتثقيفهم ، وأحمد أمين أستاذ جامعي وكان عميدًا لكلية الآداب بجامعة القاهرة ، ولكنه رأى أن الارتقاء بجماهير الأمة لا نستطيع الوصول إليه عبر باب الجامعة ، وعليه يحتاج الناس إلى إنشاء جامعة شعبية تعلمهم وتثقفهم وتوعيهم ، وكان أول مدير لهذه الجامعة ، في الوقت الذي كان فيه صاحب مفهوم حضاري عصري لمعنى الثقافة .

د. يسري عبد الغنى عبد الله





لإرسال مقالاتكم و مشاركاتكم
يرجى الضغط هنا

ليست هناك تعليقات