أخبار الموقع

اهــــــــلا و سهــــــــلا بــــــكم فــــــي موقع مجلة منبر الفكر ... هنا منبر ختَم شهادةَ البقاءِ ببصمةٍ تحاكي شَكلَ الوعودِ، وفكرةٍ طوّت الخيالَ واستقرتْ في القلوبِ حقيقةً وصدقاً " اتصل بنا "

« الفرگونة الخربانة » ... قصة قصيرة بقلم : موسى الرمو


 « الفرگونة الخربانة »
    بقلم : موسى الرمو  
   22/4/2017


«  مجلة منبر الفكر »  موسى الرمو      22/4/2017


عندما أقمت معرضي في "الفرگونة الخربانة " أرادوا مني التحدث عن أسباب اختياري لهذه العربة مكان لإقامة معرضي الفني، طلب مني أن أتحدث عن ذكرياتي معها ،
لم أرغب بالتوسع بالحديث ﻷنني شعرت أن هناك شيئا ناقصا ،

فكثير من اﻷمور لا يمكن فصلها عن بعض مثل الماضي و المستقبل و الحاضر ، فأنا دائما أشعر أن الزمن مثل القطار المراحل كلها مترابطة ببعضها تسير على سكة واحدة هي "الزمن" ، يجرها رأس القطار و هو "القدر" و لا يمكن فصل العربات فمن دون السكة و الرأس لا يمكنها السير ،
تذكرت عندما كان عمري أربع سنوات حين شاهدت القطار ﻷول مرة ، كان منظرا مهيبا لم أنم في تلك الليلة و أنا أفكر بشكل القطار و حجمه ، كان ساحرا و مدهشا ، لم أخف منه وقتها مثل كل أطفال الحي ، كانوا يرونه أفعى كبيرة أو حصان كبير و يخرج رأسه دخان ،
فقد كنت أراه طائرة ورقية تتلوى و سكة الحديد خيط طويل ، 
كنت كلما سمعت صوته ركضت خلف البيت و وقفت أتأمله ألوح بيدي له معتقدا أن كل من في داخله يعرفني و يراني

و كنت أعد العربات واحدة تلو اﻷخرى مثل شيخ يسبح بمسبحته .
على السكة هناك كانت ترقد عربة أنهت خدمتها و استراحت مثل رجل فنى عمره بالعمل وجلس أمام بيته يرتاح، يسمونها أهل المدينة "الفرگونة الخربانة" و أطلق على الحي المحيط بها اسم "حارة الفرگونة الخربانة" و سمي موقف الباص القريب منها موقف "الفرگونة الخربانة "

أصعد الى العربة و أمضي في رحلتي أسافر الى كل المدن السورية و كل القرى و البلدات و ألوّح للأطفال بيدي أطوف بلدي طولا و عرضا جنوبا و شمالا دونما رقيب دون حواجز و لا ترهيب.

من القامشلي الى الحسكة و دير الزور و أمرّ بمدينتي الرقة و حلب و إدلب و اللاذقية و طرطوس و حماة و حمص و دمشق و درعا و السويداء أسافر أسافر و العربة متوقفة بذات المكان و أنا أحلم .

في رمضان و بعد اﻹفطار كان أطفال الحي دائما يلعبون "الحرب" كانوا يقلدون ما يروه على "التلفاز" من مسلسلات تاريخية و دينية كانت تقدم لهم الحرب و الموت "كثقافة" و كان اﻷطفال يلعبون الحرب مع "الحارة الثانية" مثل تصفيات كرة القدم بين الحارات يبدأ داخل الحي لعب و ينتهي مع الحارة الثانية بشكل جدي لدرجة يتسبب بإيذاء بعض اﻷطفال و لا يعلم اﻷهل بذلك إلا متأخرا أو عند حصول جرح أو إيذاء طفل .

دخلت لعبة "الحرب" مثل كل أولاد الحي و اﻷحياء المجاورة ، كانت سيوفهم من حديد إلا سيفي كان من خشب صنعه لي والدي من خشب "سحارة بندورة"

دخلت مبارزة مع شخص من حارة "الفرگونة الخربانة" و كسر لي سيفي الخشبي من الظربة اﻷولى كان سيفه معدنيا صلبا مصنوع من قطعة معدنية انتزعها من إحدى زوايا "الفرگونة الخربانة " ،

كان مع رفاقه ينصبون للقطار القادم من القامشلي أو من دمشق كمينا و يختبئون بين الحفر و ينقضواعليه بالحجر عند وصوله فيحطمون زجاجه و يجرحون ركابه و يهرب القطار مسرعا مهزوما تاركا خلفه العربة المسنة للأطفال يفككون من عظامها سيوفهم للاقتتال ،
دائما كنت أرى تلك العربة المتوقفة على سكة القطار على أنها تحفة فنية وأن لها روحا تتنفس فكم زارت مدن و بلدات و كم حملت على ظهرها مواسم و أمتعة و بضائع و كم نحتت السكك من لحم عجلاتها و نبتت سنابل قمح ،

كنت أتذكر الماضي وأنا أعلم أن التاريخ يعيد نفسه لكنني لم أتخيل أبدا أن كرههم و حقدهم للقطار سوف يكبر معهم كحال فشلهم بالحياة ، نزعوا سكة الحديد و زرعوا لغم أرادوا قتل ضابط كان عائدا من إجازته و رجلا مسناعائد من الطبيب مات و هو ممسك بدوائه عند صدره ، و أطفال و عشرات اﻷبرياء . باعوا سكة الحديد في سوق الخردة و أنار أميرهم بيته من مولدة القطار بعد أن دمروا محطة الكهرباء لقتل حارس ليلي يحمل بندقية ..!!
----






لإرسال مقالاتكم و مشاركاتكم
يرجى الضغط على كلمة  هنا 


ليست هناك تعليقات