بصمْتٍ بصمْت، يمزجونَ المسافاتِ بالأوقاتِ ويقطَعونها بِخُطًى تُشبهُ الفَراغَ في خِفّتِها. ينزلونَ من قممِ الجبالِ مع الينابيع الجوفيّةِ، يصعدونَ من السّهول والظّلالِ مع الضّباب، يقطفون اللّغاتِ عن الألسنةِ المُعلَّقةِ في الأَسواق، ويضربونَ الأعناقَ كما تمسَحُ الرّيحُ وجهَ صبيّةٍ تُطلُّ من شبّاكِها.
والآن، في الوقتِ الذي يقفُ فيه القُطبُ على صخرةِ الانتحارِ وتُمزّقُ سكاكينُ الدُّخانِ ثيابَ السَّماءِ الدّاخليّة، يزحفونَ على رؤوسِ أناملِهم، يضربونَ المُدُنَ الحديثةَ بالعَماءِ، ويحشُدونَ النّارَ والتُّرابَ والماءَ والهواء.
إنّهم أحفادُ سقاةُ السّمِّ في روما وأبناءُ الهابِطينَ من الجبلِ المنيع.
لكنْ في الأطرافِ البعيدة، عند انتهاءِ حربِ السَّايْبِر بالسَّايْبِر والنَّانوتِكْ بالنّانوتِكْ والدّولار بالدّولار، على حافّةِ الكرةِ الأرضيّة، يسيرُ فلّاحٌ فقيرٌ بلا هاتفٍ ولا سِلكِ كهرباء ولا صُنبورِ ماء. هناك يسيرُ الرّجلُ الأخيرُ، مُرتدِيًا جلدَهُ وفروةَ رأسِهِ وهدبَيْهِ، بين قطعانِ الماموث، على إيقاعِ رفيفِ أجنحةِ العنقاءِ والفَراشِ، تحتَ خيوطِ القمرِ الذي استعادَ صحّتَه وعشقَهُ المفقود، بحثًا عن إلهٍ يخاطبُه بلغة الأحراشِ والخرير وامرأةٍ تُخرجُهُ من دائرةِ الوحدةِ السّاحرةِ والسَّأمِ الجميل.
|
ليست هناك تعليقات