أخبار الموقع

اهــــــــلا و سهــــــــلا بــــــكم فــــــي موقع مجلة منبر الفكر ... هنا منبر ختَم شهادةَ البقاءِ ببصمةٍ تحاكي شَكلَ الوعودِ، وفكرةٍ طوّت الخيالَ واستقرتْ في القلوبِ حقيقةً وصدقاً " اتصل بنا "

« الديمقراطية الهجينة » ... بقلم : عز الدين مبارك



   « الديمقراطية الهجينة »
    بقلم : عزالدين مبارك                               
   2/2/2018


«  مجلة منبر الفكر » عزالدين مبارك  تونس 2/2/2018


الديمقراطية هي الحكم باسم الشعب وبتفويض منه وتحت مراقبته الفطنة والناقدة وذلك عن طريق الانتخابات النزيهة والشفافة وبوجود إرادة شعبية واعية وحرة ولمدة زمنية محددة مسبقا. والحكم بالتوافق يكون عند الضرورة القصوى وخاصة في أوقات الأزمات والفترات الانتقالية. فالحزب الفائز بالانتخابات هو الذي يحكم حسب برنامجه الذي تمت عليه المبايعة الشعبية ويمكنه أن يستأنس بآراء الأحزاب الأخرى والاستعانة بالكفاءات المستقلة لكنه في النهاية هو المسؤول عن نجاح أو فشل سياساته.

فالديمقراطية الحقيقية هي في وجود حزب حاكم وأحزاب أخرى معارضة طبقا للإرادة الشعبية ولا يمكن الحكم من خلال شخصيات غير سياسية وحزبية لأن في ذلك تحايل على رأي الناخب وتجاوز للانتخابات برمتها وتهرب من تحمل المسؤولية. 

فالديمقراطية الهجينة هي الحكم من خلال ترك نتائج الانتخابات جانبا والدخول في ترضيات حزبية وتوافقات غير واضحة المعالم والأهداف دون أخذ رأي الشعب فيها وتغييب إرادته كليا وكأننا مازلنا في المرحلة الانتقالية وليس لنا دستور وقوانين وهياكل قائمة الذات.

وهذه الديمقراطية شبه التوافقية ومقصدها الحصول على أغلبية برلمانية مريحة من خلال تقاسم الكراسي والغنائم وكذلك الفشل لا قدر الله والتمكن من تمرير الاصلاحات التي تستجيب أساسا لإرادة الأحزاب المكونة للحكومة وليس لإرادة الشعب لأن رأيه المتمثل في الانتخابات لم ير وجودا على أرض الواقع.

كما أن هذا الاتجاه يخل بالمبدأ الأساسي للديمقراطية الحقيقية ألا هو وجود معارضة ذات ثقل في المشهد السياسي حتى لا تترك المجال للتغول وتعطي البدائل وتنشط الحياة السياسية وتكون كابحا للجنوح نحو الاستبداد والتفرد بالرأي. فالمعارضة في المشهد الديمقراطي الحقيقي ضرورة سياسية لأنها عامل توازن مهم وبدونه تختل الحياة السياسية برمتها ويتجه المركب إلى سنوات الحكم الفردي الذي قامت عليه الثورة.

فإفقار المعارضة من زخمها ورصيدها بمحاولة توظيفها وترويضها بإدخالها للحكم ومحاولة تدجينها مثلما كان يفعل نظام بن علي عندما استدرج بعض الكفاءات اليسارية مثلا لسدة حكمه وجعلها ديكورا وواجهة لتلميع صورته دون أن تستفيد من ذلك البلاد، سوف يصيب الديمقراطية الوليدة في مقتل ولا ينتج غير البرامج الهجينة المشوهة والربح الصافي على المستوى الشخصي والحزبي فقط.

فالتوافقات من المفروض أنها انتهت بانتهاء الفترة الانتقالية وكتابة دستور دائم للبلاد والانتخابات أفضت كما هو معلوم لحزب معين ليحكم وفق برنامجه وشخوصه وعليه تعيين رئيس حكومة من بين شخصياته المتحزبة ليقوم بتنفيذ سياسته فكيف لشخص مستقل يأتي من خارج الحزب لينفذ برنامج حزب لا ينتمي إليه ولا يعرفه؟ فهذه الأحجية لا تكون مستساغة إلا في نطاق الديمقراطية الهجينة والتي لا نعرف قواعدها ونواميسها وإلى أي اتجاه ستؤدي في نهاية المطاف.

كما أن هذا التمشي المبني على المحاصصة الغير معلنة سيدخل البلبلة على ناخبي الحزب الأول والثاني بالخصوص وسيكون التجاذب شديدا لأن الحملة الانتخابية كانت واضحة وحاسمة بينهما بحيث كان كل شيء يوحي بعدم الالتقاء في الحكم وقد كانت الإرادة الشعبية واضحة لا لبس فيها وقد جاءت متماشية مع الديمقراطية الحقيقية لكن الطمع السياسي أو قل الانتهازية السياسية وحب السلطة ربما يسقط هذا التوجه الديمقراطي في الماء لنتحصل في النهاية على ديمقراطية هجينة لا نعرف المآل الذي ستذهب إليه.

والمهم بالنسبة للمواطنين هو الحصول على توافق بين الفرقاء السياسيين يؤدي في نهاية المطاف إلى تحقيق نتائج ملموسة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والأمني تغير من أحوال الناس وتمكنهم من أمل العيش الكريم وذلك بتنفيذ سياسة حكيمة واضحة المعالم تقطع مع الاستبداد والمحسوبية وتبديد الثروة والفساد وتؤسس لمجتمع حداثي قوامه العلم والعمل والحرية والنجاح. 

*عز الدين مبارك كاتب ومحلل سياسي 

 اقرأالمزيد لـ عزالدين مبارك


لإرسال مقالاتكم و مشاركاتكم
يرجى الضغط على كلمة  هنا 

ليست هناك تعليقات