أنا مجرّدُ خَيْطٍ.
جئتُ من أليافِ شجرةٍ عمرُها أطولُ من عُمرِ الحُروف. أو، ربّما، من شتلةِ قُطنٍ رمَتها رياحُ الصُّدفةِ في حقلٍ يتناسلُ فيه الحصى والزّهرُ والشّوكُ والقمحُ. ويجوزُ أنّني سقطتُ من فروِ سِنجابٍ على شجرةِ كستناءٍ في غابةِ الظّلِّ والبَرْدِ، أو من سنامِ ناقةٍ تركضُ خلفَ فيئِها في انحناءاتِ الصّحراء، أو ربّما من صوفٍ حَمَلٍ مرَّ في كتابٍ قديم.
أنا مجرّدُ خيطٍ
لوّحتهُ الشّمسُ وسرقَ لونَهُ من ذَيلِ طَيْفٍ عابرٍ.
وهنا، من ثنايا التّاريخ والمكان، تتدلّى الخيوطُ والحكايات؛ خيوطٌ من الحريرِ الخارجِ من شرنقةٍ على حافّةِ الأرض، والكشميريّ السّابحِ في بُحور البياض، والقطنِ السّاكن في خزائن نساء فرعون والكتّان والقِنّبِ والإسفنجِ وريشِ الطّيور المهاجرة. خيوطٌ ليّنةٌ كالماء، خيوطٌ خفيفةٌ كالهَمْس، خيوطٌ صارخةٌ كاستِغاثةٍ، وخيوطٌ صلبةٌ كحجارة الماس.
وأنا مجرّدُ خيط،
أبحثُ منذ الصّرخة الأولى عن مكانٍ في لوحةٍ مُطرّزةٍ، منذورةٍ لحائطٍ منذورٍ للسُّقوط.
أنا مجرّدُ خيطٍ أبحثُ، منذ الشّهقةِ الأولى، عن دربٍ في ثُقبِ إبرةٍ، للدّخول في منديلِ حبيبتي المُقيمةِ في المُحال.
|
ليست هناك تعليقات