أخبار الموقع

اهــــــــلا و سهــــــــلا بــــــكم فــــــي موقع مجلة منبر الفكر ... هنا منبر ختَم شهادةَ البقاءِ ببصمةٍ تحاكي شَكلَ الوعودِ، وفكرةٍ طوّت الخيالَ واستقرتْ في القلوبِ حقيقةً وصدقاً " اتصل بنا "

« جدليّة الثّبات بين الأرضيّ والسّماويّ »...قراءة في لوحة "عاشقة البحر" لـ بومبيو مارياني .. بقلم : مادونا عسكر


 « جدليّة الثّبات بين الأرضيّ والسّماويّ »
 « قراءة في لوحة "عاشقة البحر" لـ بومبيو مارياني »
    بقلم :  مادونا عسكر 
   6/12/2017
 كاتبة و شاعرة لبنانية


« مجلة منبر الفكر»     مادونا عسكر       لبنان 6/12/2017


قراءة في لوحة "عاشقة البحر" - L'innamorata del mare – للرسّام الإيطالي بومبيو مارياني [*]
"ليس على الرّسام أن يرسم ما يراه ، بل ما سوف يُرى" (فنسنت فان غوخ)
إنّها الرّؤية الجماليّة، الثّورة الّتي تنتزع من العالم قبحه حتّى يستبين السّحر والجمال. عين الرّسّام بصيرة النّاظر إلى اللّوحة والمعاين للجمال. وبقدر ما يعاين الرّسّام الجمال ينقله إلى بصيرة النّاظر فيستفزّ دهشته وإنسانيّته وتستفيق في أعماقه نسمة الجمال الأولى. لذلك يقول الموسيقار السّويسريّ إرنست ليفي: "إنّ الإنسانيّة ستبدأ بالتّحسّن عندما تأخذ الفنّ على محمل الجدّ كما الكيمياء أو الفيزياء أو المال."  في الفنّ ثقافة الجمال، والإنسانيّة خُلقت على صورة الجمال الأسمى ولا بدّ لها من أن تتفاعل معه.

ينساب الجمال من  لوحة الرّسّام الإيطاليّ مارياني إذ يجسّد أعماق عاشقة البحر الّتي ترنو إلى السّماء. يتجلّى في اللّوحة البحر كرمز للحرّيّة المنطلقة نحو السّماء والدّالّة على الاتّصال الأرضيّ السّماوي الكامن في العمق الإنسانيّ. وتبرز السّماء كرمز للحرّيّة المطلقة الّتي بدأت مع رمزيّة البحر لتكتمل في السّماء. كما يعبّر في ذات الوقت عن التّناقض القاسي بين الأرض والسّماء، تجسّده الألوان المتضادّة.

تقف العاشقة المتّشحة بالأبيض على أرض صلبة  متشقّقة  وقاتمة، أشبه بأرض خالية من الحياة. تستند إلى صخرة، وتتطلّع إلى فوق، متخطّيةً الخطّ الجامع بين البحر والسّماء. ما يدلّ على شوق إلى العلوّ الّذي لا ترويه رمزيّة البحر للحرّيّة ولا يحدّه ذلك الخطّ.

وإن دلّت الصّخرة على الثّبات، فهي من ناحية أخرى تدلّ على القسوة، حيث التّضاد بين لونها وألوان السّماء. ففي حين أنّ السّماء تمتزج ألوانها بين الأزرق والأبيض والأصفر، تحافظ الأرض على لون واحدٍ قاتم. فتظهر قسوة الواقع مقابل فرح العلوّ ورحابته. قد تكون الأمواج اللّطيفة الّتي ظهرت في اللّوحة معبّرة عن تدرّج المراحل التّحرّريّة حتّى يستبعد الرّسام رمزية الموت عن هذا المشهد. فالبحر في هذه اللّوحة تحديداً  كما يظهر لنا من خلال الألوان الّتي اختارها مارياني لا يحمل معنى الموت.

أمام أبعاد ثلاثة، الأرض والبحر والسّماء، تعكس نظرة العاشقة الهائمة  حزناً  نتج عن اختبار لقسوة الواقع، حوّلته إلى توق إلى التّخلّي عن الثّبات الأرضيّ الباحث عن الثّبات السّماويّ. تحيد نظرها عن الأرض كنوع من رفض للثّبات على الأرض الّذي يبدو في اللّوحة رامزاً إلى اختبار العلاقة بين العلوّ والعمق.

 تبدو العاشقة وحيدة ظاهريّاً لكنّ نظرتها تلمّح إلى امتلاء خاصّ يظهر في شكل حوار ضمنيّ صامت. دلّت عليه النّظرة إلى البعد الثّالث الخارجة عن إطار الأرض والبحر. ولعلّ الوقوف الثّابت على الأرض والنّظرة الثّابتة إلى السّماء ما هما إلّا إشارة إلى ثبات النّظرة الإيمانيّة والرّجاء بالحرّيّة.

تتدرّج ألوان السّماء حتّى يصفو الأزرق نهائياً فتتناقض تماماً مع الأرض ويظهر البعد الرّابع، ألا وهو عمق العاشقة الّذي يرمز إليه ثوبها الأبيض. الأبيض المنبعث من وسط قتامة الأرض يطاول زرقة السّماء ويجعلنا نرى ما ينبغي أن نراه من جمال عاشقة اختبرت الأرض، اشتاقت إلى السّماء وتنتظر الاكتمال فيها. 

----------------------------

[*] الرسّام الإيطالي بومبيو مارياني Pompeo Mariani

ولد مارياني في مونزا ، مقاطعة ميلانو . ابن أخيه الرسام موسيه بيانتشي ، تخلى عن مهنة في القطاع المصرفي لتكريس نفسه تماما للرسم. بدأ التلمذة الصناعية في عام 1879 بتوجيه من الرسام إليوتيرو باجليانو ، الذي قدم له دراسات الحياة

وقد عرض إنتاجه الضخم من المناظر الطبيعية والصور في المعارض الوطنية والدولية الرئيسية وحصل على العديد من الجوائز الرسمية.

وقد كان مشاركا فخريا في أكاديمية بريرا. . رسم في عام 1888: فافولا د 'إيسوبو ؛ بوراسكا ؛ و باسيو فيوريوسو . ومن بين الأعمال الأخرى: 'أورا تشي فولج إيل ديسو ؛ سورج لا لونا ؛  'أوتونو رادون لي فوجلي ؛ و بورتو دي جنوة الترامونتو . 

في عام 1889، أرسل إلى باريس رسمتين كانتوتشيو دي بريمافيرا و أكا كاتينيل . 
توفي في بورديغيرا ، مقاطعة إمبيريا ،عن عمر يناهز70 سنة.


 اقرأ المزيد لـ مادونا عسكر


لإرسال مقالاتكم و مشاركاتكم
يرجى الضغط على كلمة  هنا 


ليست هناك تعليقات