أخبار الموقع

اهــــــــلا و سهــــــــلا بــــــكم فــــــي موقع مجلة منبر الفكر ... هنا منبر ختَم شهادةَ البقاءِ ببصمةٍ تحاكي شَكلَ الوعودِ، وفكرةٍ طوّت الخيالَ واستقرتْ في القلوبِ حقيقةً وصدقاً " اتصل بنا "

« قراءة في رواية ( ليلة بغدادية ) لـ برهان الخطيب » ... بقلم : جمعة عبدالله


  « قراءة في رواية ( ليلة بغدادية ) »
 «  لـ برهان الخطيب » 
    قراءة / بقلم :  جمعة عبدالله    
   31/1/2018


«  مجلة منبر الفكر »   جمعة عبدالله     31/1/2018


 يعتبر الروائي المبدع ( برهان الخطيب ) من الجيل  الستينات في القرن الماضي . وقد برز في الابداع الروائي , بأنه متقن حرفة  الفن الروائي في ابداع واضح  وقدير , في امكاناته الفنية والتعبيرية في الحبكة الفنية الراقية  ,  بأن يستلهم براعة التوغل الداخلي في اعماق تفاصيل الواقع وافرازاته الداخلية والخارجية  . وبرازها بشكل موضوعي على السطح الواقع وعلى المكشوف دون مداهنة ومحاباة , 

وانما بموضوعية  الواقع وتحركاته وافعاله الدرامية  , في براعة في استنطاق  مسار احداثيات  النص الروائي بجوانب متعددة ومتنوعة  ,  ويتجنب التقريرية الاخبارية , او تحويل العمل الروائي الى منشور سياسي مليء بالشعارات المهلهلة  , 

بل يتوسم الموضوعية التعامل , في التحري لاقتناص دقائق تفاصيل  الواقع المتحركة والفاعلة , ومسك الخيوط وطرحها في عملية متناسقة ومرتبة  في المتن الروائي , بطريقة اسلوب روائي  مبدع, متمكن من تقنياتها وتكتيكاته  ,  في تحريك الشخوص المحورية بالنص الروائي ,  بافراز مكنوناتها الذاتية والعامة . وطريقة فهمها وادراكها واستنباطها  , وطريقة تعاملها وفق رؤيتها السياسية والا جتماعية , في ضمير تفكيرها وتصرف سلوكها الفعلي  . 

وهذه الرواية ( ليلة بغدادية ) ظلت تختمر في فكرتها الروائية عند الروائي  , ثلاثة عقود كاملة . من عام 1963 الى عام عام 1993 , لم يجازف في كتابتها وبطرحها في حينها , لان الروائي , كان يخشى الفشل والاحباط في عمله الروائي , وانها ليس رواية عادية , وانما تتناول احرج فترة عصيبة من تاريخ العراق السياسي المضطرب . 

وهي بالضبط فترة سقوط جمهورية قاسم ( عبدالكريم قاسم ) وقيام جمهورية الخوف والرعب في الجمهورية الثانية  ( عبدالسلام عارف ) . 

لذا فقد  اختمرت خميرة فكرته بنضوج مبدع طيلة هذه الفترة وكتبها واعاد استنساخها اكثر من مرة   . حتى ولدت سالمة في ابداعها السردي ,  المتمكن من تقنياته الفنية الحديثة , ومتمكن في ادوات التشريح والتحليل النص وا حداث الدراماتيكية  , لهذه الحقبة الحرجة والمضطربة بكل جوانبها  , 

اي ان ولادتها  تكاملت   بالفن الروائي المبدع , المتمكن من حرفته الابداعية , في كشف مضامينها بطريقة احترافية قديرة في المتن الروائي , وبراعة لغة السرد , لكي تلاحق الاحداث الدراماتيكية متسارعة في حركة افعالها المتلاحقة  . وهي تبرز ظاهرة العنف والارهاب والبطش في الخصم السياسي . ان اطلاق الحرية المطلقة لزعران فرق التفتيش ( الحرس القومي ) بأن يكونوا قوة باطشة بقوة السلاح في الشوارع العامة وتقاطع الطرق في نقاط التفتيش المرعبة  , حتى يحمون  سلطتهم الارهابية . 

لذا فان الارهاب الوحشي , وهو المتحكم بعصب الحياة العامة , في التنكيل البشع والهمجي . لذلك  نجد ان شخوص رواية ( ليلة بعدادية ) تعاني الاحباط والانكسار والانهزام , تعاني الخناق والحصار والحرمان  , لان لعبة الموت اصبحت سهلة التناول والتداول  , 

واصبحت من الظواهر العامة , ضمن دائرة الحصار والخناق  , لان الحكمة التي طفحت على السطح تؤمن بالقوة والبطش بلا هوادة  , من فرق مفارز التفتيش ( الحرس القومي ) , في سلوكية همجية في مداهمة البيوت ,او حملات التفتيش في الطرق والشوارع , 

اي انها عبارة  عن  فرق الموت ليس إلا ( حكمة . يكتبها اصحاب السلاح , وليس اصحاب قلم كما ادعى جبناء ) ص274 . فكان الصراع مستعر في نيرانه المشتعلة  , في اجهاض وابادة التيار اليساري برمته  , الذي خسر الرهان لصالح التيار القومي / البعثي , وهذا لا يعرف سوى لغة الدم والموت , لغة السلاح هي الناطقة والفاعلة  . مما جعلوا الواقع على راحة عفريت , بالتصرف الوحشي واطلاق العنان لزعران ( الحرس القومي ) انهم كسبوا السلطة بتحالف الغرب الاستعماري والطبقة البرجوازية والاقطاعية والرجعية , التي ساندت التيار القومي /  البعثي الى السلطة , وقمع وبطش اليسار عموماً , 

وجعلوا الناس تأكل بعضها البعض , من اجل الاستحواذ على النفط ( اما البرجوازية والحنقبازية الرجعية والاقطاع  , وما تفضلت به , فانهم عكس ما تقول . انهم حلفاءونا في صراعنا ضد اعداءنا . وكلما عجلنا بأنهاء هذا الصراع لصالحنا ضد اعداءنا , كان ذلك افضل لنا ) ص 132 . لذلك ازاحوا اليسار بالدم والقتل والتصفيات العشوائية ... هذه مسارات المتن الروائي , في ابراز شرور الصراع السياسي العنيف , وانهزام اليسار , الذي اصبح ضحية البطش والتنكيل , 

ولكن في الطرف الاخر الذي بيده السلطة والنفوذ , فأن جهاته السياسية متنازعة بين طرفين , طرف يدعو الى تخفيف من حدة  العنف والاضطهاد السياسي , وطرف اخر يدعو الى تشديد البطش والعنف مهما كانت وحشيته  , فهو السبيل الوحيد  لاستمرار السلطة بيدهم , في زرع الخوف والرعب في صفوف المواطنين , حتى يشعروا بالرهبة والخضوع والنكوص , 

بينما الطرف الاخر يعتقد في ممارسة المتشددة في العنف الدموي  بانه انتحار وكارثة لا محالة , . والفكرة الرئيسية في رواية ( ليلة بغدادية ) تختصر على ليلة واحدة  دراماتيكية في احداثها المشؤومة , لذلك بدأت اطول ليلة مظلمة وعاصفة في تقلبات حداثها , في سبيل  القبض على الشخصية اليسارية ( صلاح ) بعدما عرفوا عنوان التخفي , 

وهذا الصراع يشمل ايضاً  , ثارات واحقاد عدوانية وانتقامية ,سياسية / اجتماعية / عشائرية   , وجدت الفرصة الملائمة لتحقيق غايتها  بقيادة  ( عدنان ) العدو اللدود الى ( صلاح ) لتصفية حسابات قديمة جاء وقت حصادها . في هذه الليلة البغدادية المشؤومة 

×× شخوص الرواية المحورية : 
× خالد : شاب طالب  في كلية الهندسة , متقلب الاهواء , ليس له رؤية حياتية  محددة, مولع في قراءة الكتب المتنوعة الاتجاهات والمدارس , وهو مضطرب في نزواته وغرائزه العاطفية , وتتغلب عليه نوازع الانانية , يستغل غياب زوج ( اميرة ) في البيت , لكي يتسلل اليها في بيتها  , بغرائزه الجنسية , ويتعلق عاطفياً في ( اميرة ) , ولكن اضواء هالة الانجذاب اليه ,  تتضاءل يينما تدرك عشقيته , بانه غير متزن في سلوكه وتصرفاته وغير آهل للمعاشرة معه  ,  وهو يملك الانانية الزائدة وقلة تجاربه العاطفية . فيجد نفسه محشور في الشحن السياسي العنيف , دون ارادة منه , وفي تلك الللة المشؤومة , كان كل همه انقاذ عمه ( صلاح ) من الوقوع في قبضة مفرزة الحرس القومي , بعد تشديد الحصار عليه , بعد معرفتهم في مكان اختفاءه في بيت اخيه ( سالم ) ومجيء مفرزة الحرس القومي  لقبض عليه , لذلك خرج ليبلغ عمه صلاح بمجيء المفرزة الى بيتهم , ويتفق مع ( اميرة ) ان يختفي في هذه الليلة طالما زوجها غائب في البيت  . لكنه لم يفهم التبدل السياسي الغريب في غرائبته من اليسار الى اليمين باحداث مفاجأة  , بأن كان المد الاحمر يملك الشارع وعصب سياسة الواقع , تنقلب علية مجموعات صغيرة  متناثرة هنا وهناك  , ولا يستطيع الدفاع عن نفسه وحماية الثورة من السقوط في يد  اعداءها , فكان يقول لعمه اليساري البارز ( صلاح ) , بقوله ( كان لجماعتك من المؤيدين , اضعاف ما لخصومهم مئات المرات , فمن يتحمل مسؤولية هزيمة جمهوريتناالاولى ؟ قاسم ؟ ) ص180 . 

 × اميرة : البنت المدللة بعمر 16 عاماً زوجوها اهلها الى رجل ثري , جاء من الخارج يحمل شهادة طبية , وبعمر ابيها . لم تسمع من اهلها عن مراسيم الزواج , سوى عبارة ( امورة جاءوا يطلبونك لزواج , فما تقولين ؟ ) لكن انقلب هذا الزواج الى تعاسة وحرمان , وجفاء وبرود في الدفئ والحنان , فلم تكون غاضبة على زوجها , بل ساخطة عليه ,  في زوج  عاجز وبارد جنسيا ً ولاينجب اطفال  , انه الحظ العاثر دفعها الى هذا الزواج التعيس , وهي تحلم بزوج يملئ عينيها بالدفئ والحنان في عواطفه ( أتظل هي تحلم دائماً برجل اخر غيرالذي جوارها ؟ فمتى يستقر لها حال ؟ عند قرار الاحوال أم عند استقرارها ! وهي مذنبة لو شعرت في نفسها رغبة في الاندماج بآخر غير ذلك الغائب عنها , وتحرقت للمسة حنان )ص320 . فهي تشعر  بالحرمان في حياتها الزوجية , في زوج بارد  من الحنان ولا ينجب اطفال , فهي تبدي الاستعداد أمام ( خالد ) في ايواء عمه ( صلاح ) حتى يتجنب الاعتقال في هذه الليلة المشؤومة , ويفهمها ( خالد ) خطورة فعلها والعواقب الوخيمة المرتبة عليها في خطورتها , في ايواء مطلوب خطير الى السلطة , ولكنها تصر على موقفها المساند في تجنيب اعتقال عمه ( صلاح )  بقولها ( - ضع في علمك , حتى لو عاد الزوج مرة خرى باعجوبة ووجده عندي , صارحته وابقيت هنا صلاح , كافراً كان أم مؤمنا, حتى يأمن دربه , نحن بشر وعلينا ان نثبت هذا لأنفسنا يوما ما ) ص260 . وتحملت مسؤولية اخفاءه في بيتها , فكادت في تلك لليلة المشؤومة .  ان تدمرها في الاغتصاب وتهديد حياتها بالموت , بعدما عرفت مفرزة الحرس القومي , بانه موجود في بيتها ساعة الدهم . 

 × صلاح : وهو عم ( خالد ) الشخصية اليسارية البارزة , المعروفة في الاوساط الشعبية والسياسية , يصبح طريداً مطلوب رأسه , ويذاع اسمه من جملة قائمة المطلوبين يومياً , في الاخبار عنه والقاء القبض عليه , بأعتباره عدو لدود الى سلطة القومية / البعثية , وهو يؤمن في نهجه السياسي ولا يمكن التخلي عنه , لذلك يملك رؤية واتقان واضح في تحركاته , في تجنب الاعتقال , وهو يشعر بالحصار والمطاردة يومياً , ويسمع حملات الاعدامات الجماعية من المذياع , اضافة الى السقوط والاعترافات التنظيمية , لذلك كان يختفي في دار اخيه ( سالم ) بعدما غير ملامح هيئته ولبس الزي الشعبي , ويتجول في هوية مزورة . يخبره ابن اخيه ( خالد ) بأن مفرزة الاعتقال قادمة الى البيت , وعليه الاختفاء في بيت ( اميرة ) بعد التفاهم معها , واستعدادها في ايواءه مهما كانت العواقب , في ظل غياب زوجها . ولكن ( خالد ) يبلغ عمه بأن كل الابواب موصودة , تؤدي الى الاعتتقال , ولن ينجو منها إلا اذا سلم نفسه طواعية والاعتراف على تنظيمه , حتى ينجو من الموت المحتم , فيقول له "
(-  السفينة تحطمت ياعمي فلم لا تتشبث بخشبة ؟ أعترف كالاخرين وكفى الله المؤمنين شر القتال ....
- كفاك انت! انت لا ترضى أن يعتدي أحد على شرفك ؟ 
 - لا بالطبع ! 
- ما قلته اذن أسوأ ... 
- الكل مستعد هذه الايام للقتل والموت , فما جدوى هذا؟ 
- لا جدوى , لكنه حكم قدرنا الذي صنعناه بيدنا ) ص290 .  وفي ساعة اختفاءه في بيت ( اميرة ) هجموا على بيتها مفرزة الحرس القومي , لكنه افلت من ايدهم في اللحظة الاخيرة . 
× عدنان : الشاب المتهور العنيف الشرس  , الذي لا يعير اهمية للقيم والاخلاق , تطوع الى الجناح  القومي /  البعثي , وهو داخل السجن بعد قتل شقيقته ( شمسه )  التي هربت من اهلها وتزوجت من  ( مزعل ) ولكن هذا سجن لاسباب سياسية , فتزوجها ( صلاح ) , وبعدها قتلها شقيقها ( عدنان ) غسلاً للعار ومحافظة على شرف العائلة والعشيرة , 

وهو يؤمن بالبطش والقتل , سبيل لاستمرارية الحياة , لذلك برع في الحرس القومي , في البطش والتنكيل بهمجية وحشية , ويعتبر استخدام وسيلة العنف الدموي لمحافظة على استمرارية سلطتهم في الحكم , لان  الارهاب الدموي صمام الامان لبقاءهم في الحكم , 

وخلق هالة لرعب والخوف عند المواطنين , حتى يشعر الناس بالخوف , فيركعون لهم بالخنوع والخوف , ولم يتواني في استخدام الوحشية الدموية ضد انصا اليسار او الحمر , بهذا الشكل يبعد تقويض سلطتهم . واي تخاذل في البطش والتنكيل يعتبر خيانة لثورتهم , رغم ان الاخرين من جناحه  الحرس القومي , يحذرونه  من مغبة استخدام الوحشية المفرطة , بأنها انتحار سياسي لهم ستجلب عليهم الكارثة والسقوط  لا محالة , 

لذلك وجد الفرصة الثمينة , للانتقام من عدوه اللدود ( صلاح ) ليأخذ بثار العائلة , بثأر شقيقته ( شمسه ) التي ذبحها بيديه , ان الانتقام من ( صلاح ) وقتله ,  هو رد الاعتبار لشرف عائلته كما يعتقد , لانه يعتقد انه المجرم الاول في هروب  بشقيقته ( شمسه )  وجاء  وقت تصفية الحساب بالانتقام الدموي , 

لذلك اخذ مفرزة بقيادته من الحلة وتوجه الى بغداد , بعدما عرف , مكان اختفى ( صلاح ) في بيت اخيه ( سالم ) في بغداد . ولكن الاحداث الدراماتيكية والعربدة والطيش المجنون , التي التهبت في نوازع وغرائز ( عدنان ) , فشل في القاء القبض على ( صلاح ) وانفلت من ايديهم في اللحظة الاخيرة . مما جعل هوس الجنون يتقمص ( عدنان ) , ما اقدم على قتل رفيقه في المفرزة  ( مزعل ) بذريعة التقاعس والخيانة 

× رواية ( ليلة بغدادية ) الروائي برهان الخطيب 
× صفحة 375 


 اقرأ المزيد لـ جمعة عبدالله


لإرسال مقالاتكم و مشاركاتكم
يرجى الضغط على كلمة  هنا 


ليست هناك تعليقات