« أسباب وتداعيات الدعم السعودي للجماعات المتطرفة »
على مدى العقود الماضية، بنت السعودية سياساتها الخارجية على تجيير الجماعات الإسلاميّة المتطرّفة لصالها حتى غدت الأخيرة رأس الحربة في مشروع السعودية لزعامة المنطقة. وتعتبر السعودية أهم مصدّر للوهابية والسلفية الى العالمين الاسلامي والعربي، وهي تعتمد على الخطاب الوهابي السلفي، والجماعات الإسلامية الراديكالية الاخرى القائمة على هذا النوع من الاعتقاد والتفكير كأداة هامة للنفوذ في المنطقة وتعزيز أهداف سياستها الخارجية. وبعبارة أخرى، يستخدم المسؤولون السعوديون الوهابية والجماعات السلفية المتطرفة كوسيلة مهمة لتحقيق أهدافهم وسياساتهم الإقليمية. ووفقا لبعض المسؤولين السعوديين، يعد استخدام الأدوات المتطرفة، امراً مهماً يكمن في تغيير المعادلات الإقليمية لصالح السعودية.
وان قمنا بإلقاء نظرة على أعمال وأنشطة الجماعات الإسلامية الراديكالية يتبين أن معظم هؤلاء الإرهابيين لديهم أصول سعودية، او هم تحت تأثير الوهابية، وإما يحصلون على الدعم المالي والعسكري من الرياض. ولا يمكن إنكار دور المملكة في تشكيل ودعم الجماعات الإسلامية الراديكالية مثل تنظيم القاعدة وطالبان وتنظيم داعش وجيش الإسلام وبوكو حرام وغيرها من الجماعات المتطرفة. حيث تدعم الرياض هذه الجماعات لعدة أسباب، وخاصة من اجل تعزيز مصالحها على الصعيدين الإقليمي والدولي.
أسباب دعم السعودية للجمعات المتطرفة
ومن أسباب دعم السعودية للإسلاميين المتطرفين، تقديم نموذج جديد للتغيير في المنطقة من خلال خطاب السلفية، حيث يحاول هذا الخطاب اثارة قضايا فتنوية بين المسلمين مثل تشكيل الهلال الشيعي وخطر انتشاره في المنطقة، مهمشاً الخطاب المعتدل بما في ذلك الخطاب الشيعي وخطاب الإخوان المسلمين.
ومن الأسباب الأخرى، لدعم السعودية للجماعات الجهادية السلفية هو منع الجمهورية الإسلامية الايرانية من تعزيز "تواجدها" وتوسع "نفوذها" في المنطقة. وتعتبر إيران والسعودية منافسين طبيعيين، وقد زاد هذا التنافس بين هذين البلدين كثيرا في الآونة الأخيرة. وقد أدى انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 إلى ازدياد حدّة الصراع بين الرياض وطهران في المنطقة والعالم الإسلامي.
وتقدم السلطات السعودية نفسها كزعيم للعالم السني، الذي لديه مهمة منع توسع النفوذ الإيراني في المنطقة. وقد اشتد التنافس بين طهران والرياض منذ عام 2003 بعد الإطاحة بالنظام البعثي في العراق الذي اعتبره السعوديون انتصاراً لإيران في العراق. ومن ناحية أخرى، عززت العلاقات الطيبة بين إيران وسوريا وحركات المقاومة حزب الله في لبنان وحماس والجهاد الإسلامي في فلسطين دور محور المقاومة في المنطقة الامر الذي اقلق المسؤولين السعوديين. ومن هذا المنطلق، حاولت السعودية دعم الأحزاب السنية والمجموعات السياسية المناهضة للسياسة الإيرانية في العراق وقوى 14 مارس في لبنان، فضلا عن دعم الجماعات السلفية الجهادية المتطرفة في المنطقة، وخاصة في العراق وسوريا، من اجل إضعاف حلفاء إيران، والوقوف امام توسع "النفوذ الإيراني" ومحور المقاومة في المنطقة.
وهناك عامل آخر وراء دعم السعودية للجماعات الإسلامية الراديكالية في المنطقة هو الخلاف مع الإخوان المسلمين. ويقدم الإخوان المسلمون والسعودية خطابين فكريين إسلاميين مختلفين في العالم العربي، ويعتبران منافسين فكريين رئيسيين في الدول الإسلامية. وقد بدأت هذه المنافسة منذ ولادة الإخوان المسلمين، ولا تزال موجودة على الرغم من التعايش الذي كان قائما في الفترة السابقة. وعلى الرغم من أن كل من السعودية والإخوان المسلمين ينبثقون من الطائفة السنية الواحدة، الا ان السعودية تعتبر الإخوان المسلمين منافسا إيديولوجيا وتهديدا وجودياً لنفسها، وهي تعتقد ان الاخوان المسلمين يتحدون قيمها الدينية التي تستمد شرعيتها منها.
ومن هذا المنطلق، ان التصورات السعودية لجماعة الإخوان المسلمين واعتبارها تحديا كبيرا لأمنها القومي دفعت المسؤولين السعوديين إلى دعم الجماعات السلفية في بلدانهم مثل مصر وسوريا في مقابل جماعات الإخوان المسلمين. ومثالا على ذلك دعم السعوديين الجماعات السلفية في مصر، ولا سيما حزب النور السلفي ضد الإخوان المسلمين في الانتخابات المصرية عام 2012، إضافة الى دعم الانقلاب العسكري ضد محمد مرسي والإخوان المسلمين عام 2013، يضاف اليها تقديم المساعدات المالية الهائلة للرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، وإدراج الإخوان المسلمين في قائمة المنظمات الإرهابية في آذار / مارس 2014. وانتهجت السعودية ذات النهج في سوريا حيث دعمت الجماعات التي لديها أيديولوجية جهادية سلفية وتكفيرية، مثل جيش الإسلام وأحرار الشام وجبهة النصرة الإرهابية في مقابل الاخوان المسلمين الذين تدعمهم قطر وتركيا.
وعلى الرغم من أن السعودية تدعم الجماعات الإسلامية الراديكالية المرتبطة بتنظيم القاعدة وداعش خارج حدودها من أجل تحقيق أهدافها، الا أنها تكافح انتشار هذه الجماعات داخل حدودها من أجل تحقيق الاستقرار والحفاظ على النظام.
ومن الجدير بالذكر أن دعم الجهاديين والجماعات السلفية التكفيرية في سوريا والعراق لا يشكل فقط تهديدا لدول المنطقة، بل يشكل أيضا تهديدا للأمن القومي السعودي حيث انها تعتبر أرض "الخلافة الإسلامية" لأسباب عديدة مثل الموقع الجغرافي والمدينتين المقدستين في مكة والمدينة وحيازتها لموارد نفطية ووجود بيئة حاضنة اجتماعية لهؤلاء الإرهابيين بين السعوديين.
في الخاتمة، تجدر الإشارة إلى أن استمرار دعم القاعدة وتنظيم داعش والتيارات الإرهابية يمكن أن يكون بمثابة سيف ذو حدين في المنطقة وسينقلب على داعميهم في المستقبل، تماما مثل دعم السعودية للمجموعات المتطرفة من تنظيم القاعدة وتنظيم داعش حيث أصبحت هذه الجماعات الإرهابية تشكل تهديدا للسعودية.
ليست هناك تعليقات