الفضاء الروائي متسع الافاق ومتعدد الجوانب في تقنياته الفنية , , وفي تركيبة الحبكة , التي امتازت باللغة السردية البارعة في التشويق والاثارة , وفي تكتيكات الفعل الروائي . الذي اظهر منصات الواقع الاجتماعي آنذاك , في العوامل التي تحرك تركيباته , وتشعباته في التناقضات الداخلية ( الذات ) , والخارجية ( الواقع ) ,
وكذلك عمل في ابراز روح التحدي والمغامرة , التي تحرك عقلية العراقي , بفطرته الشعورية واللاشعورية , في مجابهة الظلم والحرمان والتهميش .
لذلك نجد شخصيات الرواية , تتحرك على رقعة واسعة من التجاذب , في الفعل ورد الفعل , كحالة تنفس واسقاط حالاتها الداخلية , فهي تشعر انها متعسفة ومضطهدة ومهضومة ومهمشة , من الواقع الاجتماعي غير العادل .
ان رواية ( نجوم الظهر ) تكشف بحق بانورامية الواقع الاجتماعي , بكل تجلياته وتداعياته , السلبية والايجابية , وكذلك من ناحية وجود المرأة ضمن الاطر الاجتماعية الضيقة , التي تحددها عقلية الواقع الاجتماعي الظالم لها , في عملية تفاعلية بين الذات والواقع , ونجد بان منصات السرد امتلكت حرية التناول والتعاطي , في دلالات تعبيرية , الزاخرة في تعابيرها الاجتماعية الناطقة والمحسوسة , ضمن فترة محددة في الزمكانية , وبالتحديد في العهد الملكي آنذاك .
نجد ان شخصيات الروائية وخاصة الشخصية المحورية ( جسار شمخي ) يعاني الاحباط والمعاناة والانهزام . تحركه شحنات الاحاسيس الانفعالية الملتهبة , بشكل شعوري , او اللاشعوري , ويتفاعل في شحناته العاطفية الهائجة , لكن يعود الى المسالمة في الروح , وليس بالعدوانية الشريرية .
رغم ان الواقع يضغط عليه بشكل هائل ان يتحول الى عدواني شرير , رغم انه تخنقه اطنان من الاتهامات والشكوك من معاناة الواقع الثقيل , وكذلك يتخلص من الاقاويل , التي تتحدث عن خيانة زوجته , وافعالها الشائنة , بأنها تفتح فخذيها لكل طارق , لكن كل هذه الاتهامات بالخيانة , دون ان تكون ادلة دامغة عليها , سوى اقاويل هنا ومن هناك , ان لغة السرد اعتمدت على ضمير المتكلم , وضمير الواقع , اي بين ( الراوي والمروي ) لكنهما يلتقيان في بنية سردية عضوية ومحكمة ومرتبة في التنسيق خطوات الاحداث , في المتن الروائي , وصياغة افعاله المتحركة , اي اننا أمام بناء روائي متكامل في عالمه , وفي عناصره المتحركة , في افعالها التي تتحرك بالفعل المشحون بالدراما والمغامرة والمفاجأة .
والحدث البارز والاساسي في النص الروائي , يعتمد على حدث سياسي بارز حدث فعلاً , هو عملية انتخاب مجلس الاعيان في عام 1954 , في عهد الملكي , وفي عملية التزور الفاضحة , لصالح احزاب الحكومة , او لصالح افندية الحكومة , ضد الجبهة الشعبية المعارضة للحكومة . وكيفية استغلال جهل الناخب , الذي لا يعرف القراءة والكتابة , يصرح بأسم الناخب والقائمة , وكتبة الحكومة , يكتبون وفق ما يريدون من بطاقات لصالح احزاب الحكومة ويضعونها في صندوق الانتخاب .
وحين تقدم ( جسار شمخي ) بأنه أمي , وطلب كتابة على بطاقته الانتخابية مرشح المعارضة , لكن كتبة الحكومة , كتبوا لصالح مرشح حزب الحكومة . وقبل وضعها في صندوق الانتخابات , سحبها من يد الافندي , وراح يقرأ ما دون فيها , بشكل مغاير لرغبته الانتخابية , وراح يعلن التزييف على الناس , الذين ينتظرون دورهم , في وضع البطاقات الانتخابية في الصندوق . وانفعل في هذا الاستهتار المفضوح في عملية التزوير , واخذ صندوق الانتخاب وركض به صوب النهر ليرميه فيه , وسط دهشة الناس , وذهول افراد الشرطة وهرب .
ولكن مع هذا التزور نجحت الحبهة الشعبية المعارضة في توصيل عدد محترم من مرشحيها الى مجلس الاعيان . مما استدعى مجيء ( نوري السعيد ) على رأس الحكومة , وألغاء عملية الانتخابات , هذه منصات الفعل الروائي . الذي اختار تكتيك ابداعي في عملية السرد وتنسيق خيوطه , بأن تبدأ احداث الرواية من منتصف , ثم البداية , وبعد ذلك النهاية خاتمة المطاف
احداث المتن الروائي :
بعد عملية رمي صندوق الانتخابي في النهر . دخلت حياة ( جسار شمخي ) في مرحلة وطور جديد . من المطاردة والهروب والملاحقة , حتى يقع في قبضة الشرطة , لانه فضح الحكومة والملك , واصبحوا سخرية وتندر وتهكم على كل لسان , وحتى وصل الخبر الى الاعلام والاذاعات المصرية آنذاك , كما اخبره صديقه الوفي ( يعقوب جرجيس ) ( - أيعقل انك لم تطلع من زاوية ( حكايات الانتخابات ) بجريدة الزمان , ولم يصلك كلام اذاعة ( العراق الحر ) و ( صوت العرب ) عنك في برامجها منذ أمس ؟ حادثة رمي الصندوق الانتخاب الى الفرات . أصبحت على كل لسان ) ص268 .
وكان يروم التخفي في ديرة الجوانب , حتى يتدبر أمره بعد ذلك , كونه دخيل عندهم , وهم معرفون في ايواء الدخيل , ولكن حين عرفوا أن قضيته سياسية , اصبح ضيف ثقيل غير مرغوب فيه , وهرب صوب البرك المائية حتى يصل الى نهر الفرات , ليعبره الى الجانب الاخر , حتى يصل الى محطة القطار , التي توصله الى بغداد حتى يضيع فيها , لحين تدبير امره من صديقه الوفي ( يعقوب جرجيس ) الذي وقف في محنته ,
وابدأ استعداده التام , في المساعدة في تهريبه الى الكويت بجواز سفر مزور . وكان صديقه يحب شقيقته ( غديرة ) ويتمنى من كل جوانحه , ان يوافق على طلب زواجه , والعيش معاً في الكويت . وقبل وصوله الى بغداد تصادفه المفاجأة والمطبات , اولها تفضحه بدلته السوداء الثقيلة , في قيظ الصيف الساخن , والشمس الحارقة , في لهيبها الكافر , ويصادف مفرزة شرطة الكمارك , التي تفتش عن التهريب والمهربين .
فقد انتبهوا الى غرابة ارتداءه بدلة سوداء ثقيلة , في الصيف الحارق , فأجابهم , بأن زوجته توفيت قبل شهر , وهو ينوي زيارة الغجر ( الكاولية ) فتعاطفوا معه , واخذوه معهم الى الغجر , وهناك سرق مسدس من احد افراد مفرزة الشرطة , وهرب مسرعاً في اتجاه محطة القطار . كان ( جسار شمخي ) يندب حظه العاثر والمشؤوم , منذ ولادته بسن جارح , واعتبره عامة الناس من اهل البلدة وعشيرته , بأنه نذير الشؤوم والنحس , وستطالهم الفواجع والمصائب والاهوال , من هذه الولادة المشؤومة , بأنه شر مستطير يجب التخلص منه بكل الاحوال ,
وحاولوا ان يقنعوا والده بالتخلص منه . لكن ابيه كان يستهزئ بعقولهم وخرافاتهم , ولكن اشتد الضغط عليه , حتى اجبر في النهاية , ان يرميه احدهم من سطح البيت ويتلقفه بعباءته , فاذا نجى كتبت له السلامة , واذا مات فخيراً على خير , , ولحسن حظه أنقذه والده في احتضانه في عباءته ,
وفي المدرسة كان مشاغباً في سلوكه , حتى اضطرت ادارة المدرسة ان تطرده من المدرسة , ليكون بعد ذلك عامل مقهى , وحين شب عوده تعرف على ( نرجس ) المتزوجة , كان يراودها في غياب زوجها . ولكن بعد وفاة زوجها , كافئها بزواجه منها , رغم انها تتناولها اقاويل الناس في السلوك الشائن , بأنها تفتح فخذيها لكل طارق يطرق بابها , ويعتقد ( جسار شمخي ) بانها تخونه , لكثرة اقاويل الناس عنها , لكن دون اثبات دامغ على خيانتها , وتحت ضغط الناس اراد ان يتخلص منها , حتى بغسل العار, والحفاظ على شرف العائلة والعشيرة ,
واضطر احد الايام , أن يخنقها بيديه , وحين تيقن انها ماتت , ذهب الى مركز الشرطة , بالاعتراف بأنه خنق زوجته وماتت , دفاعاً عن الشرف وغسلاً للعار , ولكن حين رجع من مركز الشرطة , وجدها امامه ترحب به .... وفي بغداد وجد نفسه في عالم اخر , فنزع بدلته السوداء الثقيلة , وشذب شواربه الكثة , حتى بدأت ملامح الجديدة , تختلف عن ملامحه القديمة , في محاولة التكيف مع الظروف الجديدة التي داهمته وقلبت حياته تماماً ,
ووجد نفسه وحيداً , سوى مساعدة صديقه الوفي ( يعقوب جرجيس ) في محاولة تدبير تهريبه الى الكويت بجواز سفر مزور , قبل ان يشتد الحبل عليه , ولكن صديقه يقع في قبضة الشرطة , وتحت ممارسة التعذيب بقلع اظافره ,
اضطر ان يعترف , بأن ( جسار شمخي ) يروم زيارة بلدته الليلة , لتصفية حسابه مع زوجته الخائنة ( نرجس ) ان يقتلهاويتخلص منها . ولكن المفاجأة بأن زوجته ( نرجس ) تجيء اليه في سرداب التخفي في بغداد .
وهناك تعترف له بالتفاصيل لتثبت براءتها من تهمة الخيانة له . وقالت له بأن صديقه ( يعقوب جرجيس ) اعترف عليه من شدة التعذيب واخبرهم . بأنك تروم زيارة البلدة الليلة , وقالت له حين سألتها الشرطة , في اي مكان سيختفي فيه , فقالت في الحسينية , وهي متأكدة تماماً بأنه لم يلتجيء اليها ابداً ,
لذلك تحركت مفرزة الشرطة نحون المكان المطلوب . واستعدت ان يقتلها بكل مقبولية ورضى , لكن عليه ان يسمع ايضاً خياناته , وان تعترف بالحقيقة , حين كان يجلب عشيقته الى البيت في زي الرجال , ويصعد بها الى سطح البيت , وجارتهم تتلصص عليهم . ثم انه يهينها ويشتمها حين لم يناديها بأسمها , بل يناديها بأسم ( الجاموسة ) .
وصرحت له بأن افندي الحكومة المخبر ( سهام سالم ) حاول خداعها واغتصابها , بأن تكون خليلة فراش , لان زوجها بحكم المنتهي لا شفاعة له بعد اليوم اذا ارادت ان تعيش , ويقرر ( جسار شمخي ) ان يطلقها وان تكون حرة بعد الان .
لا علاقة تربطه بها , وحين يعود الى بلدته , يقتنص من ( سهام سالم ) بعدة رصاصات قاتلة , وفي لجة الفوضى والارتباك , وتبادل النيران مع افراد الشرطة , وضمن الهيجان العام . تضيع اخبار ( جسار شمخي ) هل هو قتل أم انه مازال حياً ؟ ,
وكذلك اخبار زوجته ( نرجس ) فقد ضاع اثرهما , ولا يعرف احداً , اين يتواجدان أم اختطفهما الموت ؟
------------------------
× الطبعة الاولى : عام 1991
× 350 صفحة
|
ليست هناك تعليقات