أخبار الموقع

اهــــــــلا و سهــــــــلا بــــــكم فــــــي موقع مجلة منبر الفكر ... هنا منبر ختَم شهادةَ البقاءِ ببصمةٍ تحاكي شَكلَ الوعودِ، وفكرةٍ طوّت الخيالَ واستقرتْ في القلوبِ حقيقةً وصدقاً " اتصل بنا "

« الجزائر بين السياسة والتاريخ » ... بقلم : محمد لواتي



 « الجزائر  بين السياسة والتاريخ  »
    بقلم : محمّد لواتي
   27/2/2018
 رئيس تحرير يومية المُستقبل المغاربي


« مجلة منبر الفكر»    محمّد لواتي     الجزائر 27/2/2018


    زاوية الأحداث مهما اتخذت من أشكال إن نسيت في الواقع البشري أوهمشت فهي مهما كان تبقى محفوظة في جدار التاريخ.. والتاريخ قوة عاملة وواعدة إن ذكّر به وأخذ منه، فلا نهضة بدون استدراج التاريخ إلى رفوفها ولا معنى للأحداث حتى وإن كانت دامية إن هي لم يذكّر بها باستمرار،

ودائما نحن في التاريخ حتى وإن تخلفنا عن الآخذ بسياقاته لأنه الشاهد الوحيد الذي لا تزور فيه الأحداث، ولا يأتيه الطغيان البشري لأنه يسجل وكفى، ولا يتوارى عنه أي فعل  كبيره وصغيره.. الممكن فيه دائما أننا كلّما طلبناه استجاب لنا، وكلما أهملناه أهملنا، و ربما ساقتنا الأحداث بعده إلى الحافات التي تتكسر فيها كل التوجهات حتى تلك التي نظن أنها حاضرة باستمرار في تفكيرنا..

إن القرآن الكريم حين ذكر بالأحداث التي مرت، و ما وقع فيها، و كيف سقطت أمم و كيف نهضت أخرى أراد منا أن نعتبر،  ونلمس الأخطاء من أخطاء سابقة، و نأخذ بالنهوض من نهضة من سبقونا بالأفكار بكل عناصرها كما هم أخذوا بها أو اتكلوا عليها بقوة الفكر وقوة الالتزام.

 الأمم أيا كان نوعها وقوتها هي بحاجة إلى خاصرة التاريخ، كما أنها بحاجة إلى إدراك ما تقوم به الأحداث المسببة له   لنراها كيف  تحافظ على وظائفه، و إن بقطع من التراب، أو بصور تركت جميعها بصمات في مسيرة الإنسان..نحن نؤمن على أن الذي يصنع التاريخ حتى في الظروف المتآكلة هم أولئك الذين يقفون غلى اطلاع التاريخ ويستطيعون اللعب على الحافات، و يقدرون ثوابت القيم التي يؤمنون بها وتتقدم بها بشعوبهم،

غاندي أخرج أمته من أسوأ التاريخ إلى أوجه، كان في الهند منذ سبعين سنة خلت يموت يوميا ستة آلاف شخص بسبب الفقر، و اليوم الهند تنتج حوالي عشرين ألف برمجة للحاسوب يوميا، بل إن شركة "آبل" تعتمد في إنتاجها الإعلامي على الهنود، ذلك أنهم فعلا تعلموا من مقولة نهرو "التاريخ في آسيا يسير في بطء لكنه يسجل"
   
   أعود فأقول،إن واقعنا ليس بسيئ،وإن حضورنا سياسيا في المنظومة السياسة الدولية  ليس بأقل من تلك الدول التي تدعي صنع القرار الدولي،ربما نحن خارج الواجهة الدولية إعلاميا، و لكن حضورنا داخل الإحداث مستدام،واقع يؤخذ بجدية ،لا لأننا لم نكن من دول الحريق العربي فحسب و لكن لأننا لدينا معيار سياسي ملتزمون به منذ أمد بعيد،   ولصالح القضايا الإقليمية والدولية، في إطار ما نؤمن به ونلتزم بفحواه ...

السياسة، بالأساس ليست أخلاق دينية،و ولكنها مصالح وإن كانت لدى ذوي المبادئ تمارس بأخلاق إنسانية، وأهم ما فيها المواقف، لذلك حين ننظر إلى مواقف الدولتين الروسية  والأمريكية، نرى اختلافا شاسعا بين سياستهما، فالأولى تمارس السياسة الدولية بمنطق القانون الدولي وتسعى إلى احترامه في حين نرى أمريكا تخترق كل المبادئ و تسعى إلى الهيمنة على حساب المبادئ بما فيها ميثاق الأمم المتحدة ،وأحيانا تسعى إلى إشاعة الفوضى بل الحرائق المؤدية إلى انهيار الأنظمة والتواري المبرمج لإزاحتها من الخارطة نهائيا أو على الأقل إحالتها على مبدأ التقسيم إلى دويلات كانتونية ..

إن تفسير الأحداث برؤى المستقبل على حساب الآخرين لا يبدو متناقضا فحسب مع معطيات السياسة الدولية بل هو مجرد رؤى دموية تأخذ من حفريات الواقع وجودها وستظل كذلك إلى أمد بعيد، رغم أن النجاح فيها يبدو شبه مستحيل،هذا ما حدث في ليبيا لأمريكا، حيث المشهد الدموي لها اخذ مشهدا آخر لأمريكا بقتل السفير الأمريكي فيها ومن معه، وهذا المشهد أزاح الكثير من الظنون والأوهام التي كانت تأخذ بهما ألولايات المتحدة الأمريكية  من وراء ذلك الانفجار الذي عرف ب"الربيع العربي" ..

بل انه أضاع القرار السياسي على مستوى الكل و ليس على المستوى الأمريكي فحسب .. لكن يبدو من تلك الأحداث إن المحير الأساس الذي لم تصل إليه تحاليل الأجهزة الأمنية و مراكز الأبحاث هو موقف الجزائر و سياستها اللذين جعلاها بعيدة عن الألغام التي أحيطت بها البعض يرى أن الجزائر بتجربتها تعرف أين يكمن الخطر وأين الحل فيه،

لذلك سارعت إلى اخذ الحيطة باللعب بالسياسة وفق الممكن والمتاح في الظروف المتآكلة .. والبعض الآخر يرى أنها لعبت دور المفسر للتاريخ قبل إن تأتي هذه الصراعات بما توفر لديها من معطيات ومعلومات والأخذ بنظرية تكسير المتاح للآخر واستنهاض التاريخ كدليل وسط تراكمات الحاضر ..

  كان هذا و ذاك في الأصل -أي الاثنان معا-  ذلك إن الجزائر التي لا تؤسس لمراحل جدية دون عطاءات الماضي، إنها تؤمن بان قوة التاريخ لا ترد وهي الأهم عند مواجهة التحديات، إن القرآن الكريم حين يوجهنا إلى النظر في الأمم السابقة من حيث صعودها وسقوطها  وحتى فنائها يؤكد لنا على أن كل شيء - من السلبي والايجابي - يخضع للسياقات التاريخية، إذ هي بمثابة الفانوس الذي يضيء لنا الطريق لنعرف أين نسير،

و إذا كان ذلك مبدأ عام و دليل مرجعية في عملية البناء وإعادة البناء فان الشد عليه يصبح أكثر من ضرورة ، إن صعودا أو هبوطا، نحن هنا لا نبرر الواقع ولكن نبرر المواقف العامة لأن الخاص غالبا يكون شادا أو هو خارج دائرة التأثير إلا بنسبة ضئيلة .

فالرشوة مثلا أساس سوء التقدير لدى مسئول هنا أو هناك  ولكنها ليست إلا ظاهرة جزئية و لذلك حين نؤكد على أننا أمام منطلق سياسي  يأخذ السلم التصاعدي في البناء والتفكير ليس لأننا جزءا من شجرة أوراقها خضراء لطائفة على حساب الكل بل إننا نقرأ الواقع بمتغيرات شاملة، هي متغيرات تمس اليوم كل أمم الأرض خاصة ونحن ندخل مرحلة عالم جديد لم تعد فيه الهيمنة الأمريكية شجرة التفاح بل شجرة من يقطين،

غير أن هذا المتغير يحتاج إلى زلزال لان لا أحد يقر بالهزيمة في لحظات، إذ لا تغيير يأتي دون ثمن، ومع الأسف هذا الثمن تدفعه اليوم الدول العربية، بما يزهق من أرواح وما يدمر من بني تحتية .. إن الذين يصنعونه ليس من خارج تحطيم الوجدان وجدان الشعوب فحسب بل   وبواسطة الطائفية أو الحروب الداخلية !!

ومن المؤسف أن تكون الجامعة العربية هي المحرك الأول لهذه الحروب بسيطرة البعض عليها ممن تأخر بهم التاريخ أو وضع تاريخهم في الأسر لجهات لا تؤمن حتى بوجودهم كبشر خارج منطق الاستعباد .. إن المهم هنا ليس البكاء على الأحداث وأطلالها و لكن المهم المؤكد أخذ العبرة منها والتوجه صوب حقائقها والكيفيات التي يمكن اللجوء إليها لانقاد الواقع،وبالتالي عدم الجنوح لمطالب تأخذ ببريق التصدع كأداة بناء ..

فالجزائر ببريق ماضيها أولا،و بوفاء أبنائها لهذا البريق استطاعت أن تفلت من منعرجات التاريخ المصطنع تاريخ الديمقراطية المصدرة كعلب السردين،والمفروضة بقوة"الرانجاس "الأمريكي، وأخذت طريقها نحو التعددية السياسيه بهدوء ،

وهنا اعتقد أن الكل منا متفق على أن الحرية التي نملكها اليوم إن على المستوى الاقتصادي أو على المستوى الاجتماعي هي ليست اقل مما تملكه أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية.لا ندعي هذا،و لكن نؤمن به كشاهد التاريخ، و كحاصل أساسي في المنظومة السياسية ،والذين يميلون لغير هذا يبدو لي أنهم إما متعطشون للمسؤولية وإن فشلوا فيها سابقا، و إما تنقصهم القراءة الواعية للواقع ..

  حين أقرأ أن أقدم مراسلة صحفية(هيلين توماس)، بالبيت الأبيض وقد تجاوز عمرها السبعين سنة(توفيت ) تطرد من وظيفتها وتحرم من دخول البيت الأبيض وهي المراسلة الصحفية فيه، لأنها قالت رأيا تؤمن به ويؤيدها في ذلك نصف سكان القارات الخمس، أقول إننا بخير،

وحين أقرأ أن شاعرا انتقد بقصيدة سياسية بلده يحكم عليه بخمسة عشر سنة سجنا، وحين اقرأ أن مغرد ين على توتير انتقدوا في تغريد اتهم  سياسة بلدانهم يسجنون لسنوات أقول نحن في ألف نعمة ..نحن ننتقد يوميا و فينا من ينتقد بالتجريح ولا يحاسب .. رغم إنني ارفض التهريج السياسي ولا أعتبره نقدا لان النقد يحترم الأصول الأخلاقية للإنسان والمجتمع و يحافظ على قيم الأمة...

   نعم ، نؤمن بالخطأ ولا نغطيه،ولكن في أصول فكرية توضح ما يمكن الأخذ  به صوب البناء وما ينتجه من آمال للمجتمع، وما يجعل منه خطوات - لا خطوة - صوب المستقبل الذي ننشده جميعا .. فإذا نظرنا إلى أخطاء غيرنا تجاهلنا المخاطر التي تصاحبها،وربما يتأكد لدينا لحظتها أننا نفضل الصمت لان فيه بعض من العلاج لتلك الأخطار .. إن لا أحد يمكنه أن يتمنى لنا في الظرف الحاصل من العالم الخارجي إلا مثل ما تعيشه المنطقة العربية من حريق مع الأسف.؟

نعم هناك اشتباك في المصالح مع بعض الدول، وخاصة الاستعمارية منها، ولكن عند الأزمات تأخذ تلك المصالح طريقها نحو الهدف الوطني دون الأخذ بالاعتبار لذلك التشابك لان في السياسة لا خسارة مطلقة فيها ،ولا ربح مطلق،

اعتقد إن فرنسا اليوم وهي تسير تدريجيا لتكون ذيلا لأمريكا في أوروبا ليس إلا من اجل أن تساعدها أمريكا فيما تفكر فيه جديا من العودة إلى نظرية الاستعمار وبأسلوب اقتصادي بحت .. مع أني أؤكد أنها لن تتمكن من ذلك في الجزائر لان الجزائر لا يمكن إن بالمعيار الفرنسي أو بالسياسة والاقتصاد خارج تاريخها..."جاك شيراك" نفسه كان يؤمن بهذا المنطق لما كان رئيسا لفرنسا بل انه كان يخشى الرئيس بوتفليقة لان سياسة هذا الأخير مبنية على مصالح الجزائر أولا، ولا مجال للاندماج في سياسة الآخر،

و هذا أيضا ما كان يؤمن به "بوش الأب" و يقال في بعض الإسرار انه اسر بذلك ل"جاك شيراك"  في جلسة خاصة بقوله له ''لا تثق في بوتفليقه  فما يحكيه معك شيء وما يؤمن به شيء آخر'' 

  صحيح لدينا ارث مؤلم في مجال السكن،لكنه يعالج اليوم بوتيرة متسرعة، وتكاد مشكلته  تنتهي، و لدينا ارث مؤلم في مجال البطالة، لكن بتحويل الأنظار إلى الإنتاج ألفلاحي،والمؤسسات الصغيرة يمكن - لا أقول التخفيف منه -  ولكن مع مرور الزمن القضاء عليها ..

فأرضنا تستوعب الجميع وزيادة، والمؤسسات في نمو مطرد، حتى ولو أن هناك أزمة اقتصادية خاصة وقد تخلصنا من المديونية لصندوق" النقد الدولي "وهي المعجزة الثانية لنا بعد معجزة الثورة التحريرية ،لأن هذه المديونية وضعت لنا بقصد إعادة الاستعمار،و تفتيت قرارنا السياسي .. نحن ننعم بأكثر من تسعين جامعة وأكثر من مليون وستة مائة ألف طالب جامعي، فضلا عن ثمانية ملايين من الطلبة في الابتدائي والثانوي وهو رقم لا تملكه الكثير من الدول بل يساوي سكان دول الخليج تقريبا..

نحن إذن أمام تحديات مهمة ،هي تحديات التنمية و إعادة الاعتبار للمنظومة التربوية  وفق شروط القيم التي نؤمن بها وآمن بها قبل من أنبتوا الأرض أزهارا بدمائهم ..

علينا أن نتذكر ماضينا الجهادي لا أن تحتقره، علينا أن نؤسس لا أن نرفض الواقع بتجريده من خصائصه الحضارية ورموزه الوطنية .. إن تجريد الواقع يعني الأخذ يما هو طارئ، و ما يبنى على الطارئ لا يدوم ولا يتحول يوما ما حتى لقصص التخويف..

إن صيرورة التاريخ لا يمكن وصفها أو توصيفها بالخيال أو الفوضى، بل بالالتزام بنظام التحكم في قواعدها المنتجة للبدائل و ليس بالجدل العقيم  كما يظن اليوم البعض منا  ممن يؤمنون بتجزئة الواقع ولم لا،التجزيئية 



 اقرأ المزيد لـ محمّد لواتي


لإرسال مقالاتكم و مشاركاتكم
يرجى الضغط على كلمة  هنا 


ليست هناك تعليقات