لم أصدّق ما قالته تلك المُتسوّلة ذات زمنٍ ولّى، حينما استوقفتني لإعطائها ما يطلعُ من جيبي من عملةٍ معنية، فحين قالت لي بأنها خريجةٌ جامعية جديدة وتعيش في ظروفٍ صعبة، بعدما ترك والدها أمّها العاطلة هي الأخرى عن العمل، واضطرتْ للتّسوّل، رغماً عنها، وأنها تكره التّسوّل،
ولكنْ لم يكنْ أمامها أي مخرجٍ سوى التّسوّل، على الرغم من خجلِها، الذي بدا على محيّاها، لأنها ترى نفسها في مكان ليس لها..
فقلت لها:
هل طرقتِ كل الأبواب؟
فردتْ بلى، فالكل يتذرع بأن لا خبرة عندي،
فقلت لها:
لا تيأسي، فحاولي أن تجدي عملا، وأعطيتها ورقة نقود، وذهبتُ إلى جامعتي، وقلت عيناها لا تحبّان التسول! هكذا أدركتُ من نظراتها الحزينة والصادقة، وعند المساء رجعتُ من تلك الطّريق، ولم أجد المرأة المتسوّلة،
فقلت:
لربما سمعتْ كلامي، وراحت تبحثُ عن عملٍ، وفي صباح اليوم التالي صحوت وشاهدت من النافذة عاصفةٌ ثلجيّة، لكن الثلج أبهجني في تلك البلد الأوروبي، ولبستُ معطفي وسرتُ كعادتي من تلك الطريق، التي أسلكُها في كل صباحٍ ووجدتُ المتسولة تجلس على حافّة الرصيف،
وكانت ترتجفُ من البرْد،
فقلت لها:
أعطف على حالكِ فلماذا لا تعملين في عملٍ حتى لو لم يكن بتخصصكِ ولو بشكل مؤقت؟ فقالت:
حاولتُ، ولكنني عجزتُ بعدما أغلقتْ كل الأبواب في وجهي،
فقلت لها:
لا تيأسي، فحتما ستجدين عملا، وتركتها وذهبتُ إلى الجامعة،
وعند المساء عدتُ، ولم أجدها،
فقلت:
لا أدري ما قصتها، أيبدو بأنها لا تريد مالا كثيرا، وتكتفي ببعض المال، وتذهب في حال سبيلها، وبعد مرور شهر لم أعد أرى تلك المرأة المتسوّلة،
فقلت:
لربما وجدتْ عملاً، وبعد مرور شهر صادفتها في السوبرماركت،
وقلت لها:
أوجدتِ عملا؟
فقالت:
بلى، أعمل هنا فماذا أفعل؟ أريد أن لا أكون متسوّلةً، ففرحتُ لها،
وقلت لها:
لا تيأسي، ستجدين عملاً بتخصصكِ ذات يومٍ، وبتّ اذهب كل يوم إلى السوبرماركت، لا لشيء فقط من أحل رؤية تلك المرأة، التي سحرتني بعينيها الجميلتين، وتوطدت العلاقة بيننا، إلا أنني سافرتُ إلى مدينة أخرى للدراسة، ولم أهاتفها البتة،
لكنها أعجبتني بإصرارها على البحث عن عمل دون كلل، لكي لا تستجديَ أحدا.. امرأة على حافة الرصيف صعقاتي، حينما علمتُ بأنها تريد عملا بتخصصها ولم تجده، لكنّها ظلت تبحث عن عمل لتأكلَ من عرقِ جبينها، ولم تيأس ..
|
ليست هناك تعليقات