قد يتساءل المرء و حُق له ذلك، هل يمكن اعتبار مفهوم الايكولوجيا قيمة إنسانية، و الجواب أنها قيمة إنسانية تدخل ضمن نطاق القيم الجمالية التي تهتم بالبيئة المحيطة بالإنسان أو بنظافة البيت الإنساني الذي نقصد به طبعا هاته الكرة الأرضية التي تحضنه من ولادته فإلى مماته.
لا شك أن القرآن الكريم الذي يتخلله قاموس ايكولوجي بامتياز نظرا للمصطلحات البيئية التي يتضمنها و يكررها في تأكيد يحاول ان يلفت نظر ذوي البصيرة لذلك الأصل الحدائقي للإنسان حين يجعل أصله الجنة و التي لا مفهوم لها في اللغة العربية الأصيلة غير الحديقة، كما يجعل في المقابل من جهنم حديقة من نوع آخر، حديقة محترقة، و روضة ملتهبة بحطب الجحيم و العياذ بالله.
ألم يقل الحق عز من قائل في سورة الصافات: "أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ، إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ، إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ، طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ".
ألم يتحدث كتاب الله عن شوك الشبرق بأرض الحجاز الذي سماه ضريعا بأنه طعام أهل النار و أنه لا يسمن و لا يغني من جوع، و كذلك شراب الغسلين و هو أيضا تعبير ايكولوجي لانه يعني قيح أهل النار و بما أن الانسانه أصله نبات بتعبير القرآن نفسه في قوله تعالى "و الله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها و يخرجكم إخراجا" و بما أن القيح سائل يخرج من الانسان ذو الأصل النباتي فهو أيضا اصطلاح بيئي ايكولوجي.
و كأن القرآن الكريم حين يتحدث في عن أصحاب اليمين و ما يجدونه من طعام أهل الجنة من لبن وأنهار من عسل مصفى، يتحدث عن تحقيق مفهوم الحدائقية الإنسانية على هاته الأرض بحث الانسان على التنقيب عن جواهر القيم الإنسانية و لآلئ و درر اللطائف الأخلاقية داخل بحر فطرته النسانية التي بها يحصل سلامه على هاته الأرض.
و الا فجريه وراء ملذاته و سعيه خلف أهوائه لن يجني له في آخر المطاف الا جحيما حياتيا لا يطاق، فالتلوّث، والتقلبات المناخيّة، و غروب التنوع البيولوجي والدَّين الإيكولوجي بين شمال وجنوب العالم والمرتبط بفقدان التوازن التجاري والمركزية البشريّة وهيمنة الشؤون الماليّة التي تحمل على حماية المصارف على حساب الشعب، وإلى ملكيّة خاصة لا تخضع للتوزيع العام للمنافع. وتبدو واضحة سيطرة ثقافة الهدر التي تؤدي إلى استغلال الأطفال، وترك المسنين واستعباد آخرين، وإلى ممارسة الاتجار بالكائنات البشرية وبـالألماس الملطخ بالدماء. إنه منطق العديد من عصابات الاجرام ومنطق التخلص من الأطفال الذين لم يولدوا بعد لأنهم لا يتلاءمون مع مخططات الوالدين.
اليست هاته مظاهر جحيم دنيوي كان من الممكن تلافيه بإطفاء لهيب آثاره اللاأخلاقية ببرودة جنة القيم الثقافية تجري من تحتها مياه القيم الأخلاقية ليرغد الانسان في سلام ووئام دون حروب و صراعات طائفية لا يدعو لها الا عديموا البصر و البصيرة لما فيها من تلف و إتلاف لحياة الانسان على هاته الأرض.
لتوضيح الأمر أكثر عزيزي القارئ تأمل معي قوله تعالى في سورة الحش عن الكفار" يخربون بيوتهم بأيديهم" بعد مدخل الآية بقوله سبح للخ ما في السموات و الأرض" و كأن الله سبحانه و تعلى يريد أن ينبهنا الى تسبيح مكونات هاته الأرض بما فيها من خضع لنظامه من المؤمنين، و يرشد الانسان الغافل الى عيوبه ان هو أصغى لهوى نفوسه و لم يتبع الهدى و كأنه يخرب بيته الأرض بيده.
أليست هاته الأرض فعلا بيتا للإنسانية، ألم يكتشف العلم الحديث أن جميع المعاد التي تتكون الانسان هي معادن أرضية بامتياز،أليست الأرض أيضا أختنا في الوجود؟ بل أما عطوفا ترضعنا من حليبها كلما احتجنا الى غذائها؟ لمذا اذن نعتدي على بيتنا بأيدينا؟ أليس هذا معنى عميقا خفيا للآية خلف مضمون الآية الظاهر الذي وصف حالة للكفار في عهد الرسول الخاتم صلى الله عليه و سلم.
اليس مصطلح الكفر نفسه ايكولوجيا؟ حيث ان معنى الكفر في اللغة ستر النعمة ومنه قيل للزراع كفار في قوله تعالى في سورة الحديد "كمثل غيث أعجل الكفار نباته" و سمي الليل بالكافر في قول الشاعر لبيد "في ليلة كفر النجومَ غمامُها" ومنه في اللغة العربية المتكفر بسلاحه، أي الشاكي الذي غطى السلاح بدنه.
ناهيك عن مناداة المصلين عند كل صلاة بقول المؤذن "حي على الفلاح" و قول الله للمؤمن عند نهاية طريق اسلامه" قد أفلح المؤمنون" و كلها مصطلحات بيئية نابعة من قاموس ايكولوجي مقدس بديع، ينبه ذوي الألباب لأصلنا البيئي و منبعنا الحدائقي الذي كلما ابتعدنا عنه شقينا و كلما قربنا منه سعدنا.
أليس في هذا خير جواب لمن يبحث عن السعادة، أليست فلاحة الزرع
و اخضراره عين سعادته، أوليس ذبوله و ذهاب نضارته عين شقاوته؟
لذلك وصف القرآن الكريم المؤمنين في الإنجيل بقوله" ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع".
ليست هناك تعليقات