أخبار الموقع

اهــــــــلا و سهــــــــلا بــــــكم فــــــي موقع مجلة منبر الفكر ... هنا منبر ختَم شهادةَ البقاءِ ببصمةٍ تحاكي شَكلَ الوعودِ، وفكرةٍ طوّت الخيالَ واستقرتْ في القلوبِ حقيقةً وصدقاً " اتصل بنا "

« التداعيات المحلية والدولية المحتملة لعملية الفساد في السعودية » ... بقلم : محمد عبيد الله



أمسى العالم كله ليلة السبت – الأحد على وقع عمليات العزل والاعتقال الموسعة في المملكة العربية السعودية التي نفذتها “لجنة مكافحة الفساد” التي تشكلت مؤخرًا برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي خطف الأضواء على نفسه بخطواته المفاجئة وتوجهاته الإصلاحية وإجراءاته الصارمة. 

وأسفرت عمليات كشف الفساد، التي تعد الأولى من نوعها، ليس على صعيد المملكة فقط وإنما على صعيد منطقة الشرق الأوسط أيضا، عن احتجاز 11 أميرا، وأربعة وزراء حاليين، وعشرات من الوزراء السابقين والعسكريين، بما فيهم رئيس الحرس الوطني، تمهيدا للتحقيق معهم أمام لجنة مكافحة الفساد.

لن نكون مبالغين إن شبهنا هذه العملية في السعودية بـ”تحقيقات الفساد والرشوة التاريخية” التي شهدتها تركيا في 17 – 25 ديسمبر 2013، إذا أخذنا في الاعتبار ماهيتها وشمولها وتوقيتها، وأبعادها المتعلقة بها، وتداعياتها الداخلية والخارجية المحتملة. ولكننا نتمنى أن لا تلقى هذه العملية المصير ذاتها مع نظيرتها التركية، حيث اعتبرها الرئيس رجب طيب أردوغان “انقلابا” على حكومته آنذاك، وأغلق التحقيقات الجارية، وقلب تركيا رأسًا على عقب في سبيل معاقبة كل من أخذ دورًا من القضاة والشرطيين في هذه التحقيقات.

لقد باتت المملكة في الآونة الأخيرة تذكر بإصلاحاتها في شتى المجالات، وبوجه أخص في مجال حقوق المرأة، في الداخل؛ وبعملياتها العسكرية في الخارج، وعلى رأسها تلك التي تجريها في الأراضي اليمنية ضد المد الإيراني.

تبني الإسلام الوسطي

لا يخفى على المتابعين للقضايا الدولية أن الولايات المتحدة لما خيب أردوغان آمالها في حمل مشروع “الإسلام المعتدل”، عقب تغييره مساره وعودته إلى ضبط المصنع، بعد أن أعلن نفسه متطوعًا فيه، أخذت تبحث عن دولة أو دول بديلة لتتولى هذا المشروع وتستكمل من حيث توقف. وتعتبر العملية التي بدأت بزيارة الرئيس الامريكي الجديد دونالد ترامب للرياض، بحضور دول عربية، من بينها مصر، وإعلان المملكة تخليها عن السلفية الراديكالية وتبنيها “الإسلام الوسطي المعتدل” رسميًّا، ومن ثم شروعها في تشكيل مؤسسات فكرية وعلمية للدعاية والترويج، من المؤشرات التي تدل على السعي السعودي لملء هذا الفراغ.

ومع أن قدرة الإدارة السعودية على الاضطلاع بهذا الدور أو عدمها موضوع قابل للنقاش، فإن توجهها الجديد في التصور والإدارة بدأ ينعكس على الساحة السياسية الداخلية في كل المجالات، ومن الممكن تناول العملية الأخيرة من هذه الناحية أيضًا. غير أن محاولة تفسير الحادثة انطلاقًا من المقومات الداخلية فقط، واختزالها في “عملية تلميع” لتكوين صورة ولي عهد يكافح الفساد قبيل تسلمه زمام الحكم في البلاد ستمنعنا من رؤية الصورة الكاملة للحادثة.

توقيت العملية

ولكي نتمكن من تحليل صحيح وتقديم تصور كامل لما يحدث في المملكة لا بد من الأخذ في الاعتبار توقيت العملية والتطورات العامة والأخيرة التي شهدتها المنطقة. ففي هذا الإطار ينبغي أن نذكِّر بالاستقالة المفاجئة لرئيس وزراء لبنان سعد الحريري قبل سويعات من بدء العملية في السعودية، معلنًا تلقيه تهديدات بالقتل والاغتيال من قبل إيران، ومن ثم توجُّهِه بسرعة البرق إلى الرياض في اليوم نفسه، وإدلائِه من هناك بتصريحات مثيرة جدًا عبر قناة العربية السعودية. وأرجع الحريري قرار استقالته إلى مساعي إيران لـ”خطف لبنان”، وفرض “الوصاية” عليه، بعد تمكُّن “حزب الله من فرض أمر واقع بقوة سلاحه”، متهمًا طهران بـ”زراعة الفتن”، و”التسبب بالدمار الذي حل بالدول العربية التي تدخلت فيها”، ثم أضاف بقوله: “لبنان تشهد اليوم أجواء شبيهة بتلك التي شابت قبل اغتيال (والده) رئيس الحكومة الأسبق الشهيد رفيق الحريري. ولمستُ ما يحاك سراً لاستهداف حياتي. لكني أريد أن أقول لإيران وأتباعها: إنهم خاسرون، وستقطع الأيادي التي امتدت إلى الدول العربية بالسوء، وسيرتد الشر إلى أهله”. وأكد رئيس الوزراء المستقيل رفضه “استخدام إيران سلاح حزب الله ضد اللبنانيين والسوريين”، مشيراً إلى أن “تدخل حزب الله تسبب للبنان بمشكلات مع محطيها العربي”.

إعلان حرب

وفي معرض تقييمه لهذه التصريحات، اتهم الكاتب الصحفي الفلسطيني المعروف عبد الباري عطوان الحريري بـ”إعلان الحرب في لبنان من الرياض”، والسعودية بالاصطفاف مع إسرائيل في المعسكر ذاته، واستهدافِ كلٍّ من إيران وحزب الله وحركة حماس والحوثيين والتيارات الإسلامية الأخرى في المنطقة.

صحيح أننا لا نملك في الوقت الراهن معلومات ومعطيات ملموسة لنتأكد من وجود صلات لعمليات الفساد في المملكة بإيران وأذرعها المختلفة في المنطقة أو عدمه، إلا أننا إذا أخذنا في الاعتبار حديث الحريري من الرياض عن “قطع الأيدي الإيرانية الطويلة”، واتهام عطوان إياه بـ”إعلان الحرب في لبنان من الرياض”، والمعلومات الحالية التي نحوزها فعلاً، فإنه من المحتمل أن يكون بين أهداف هذه العملية السعودية التخلص من بعض الأمراء والوزراء الذين يشكلون عبئًا على الأدارة السعودية الحالية أو يختلفون معها في مواجهة المد الإيراني لمنع تحقق آمال طهران المسماة بـ”الهلال الشيعي”. والواقع أنه بمقدورنا أن نستنتج من عبارة “ضعاف النفوس المعتدين على المال العام، من دون وازع من دين أو ضمير أو أخلاق”، التي ترِد في البيان الملكي الصادر في هذا الصدد، وكذلك التأكيد اللافت فيه على “الجانب الأمني” لممارسات الفساد، إشاراتٍ تدل على صحة ما نقول.

وعليه فإنه من الممكن أن تستهدف حملات الفساد الموسعة في السعودية التخلص من ضعاف النفوس الذين وقعوا فريسة للفخاخ الإيرانية المعروفة أو مكائد امتداداتها، بما فيها تركيا أردوغان.

ومن الجدير بالذكر أثناء قضاء الأمير وليد بن طلال عطلته في منتجع بودروم السياحي جنوب تركيا، بادر إعلام “السراي” إلى نشر صور شبه عارية له ولأمراء سعوديين وأميرات سعوديات من أجل استخدامها كورقة ضغط على السعودية في أزمة قطر. وفي هذا السياق أكتفي فقط بتذكيركم أن تحقيقات الفساد والرشوة في تركيا عام 2013 كانت كشفت أيضًا عن صلات بعض السعوديين، مثل رجل الأعمال المعروف ياسين القاضي، مع المتورطين الأتراك في جرائم الفساد، وأن حصة صلاح عبد الله الكامل في بنك البركة “التركي” المطلوب فرض الحجز عليه في هذه التحقيقات لتورطه في إجراءات غير قانونية تبلغ %31.80، وهو كان ضمن المحتجزين في إطار العملية التي نفذت ليلة السبت.

العالمان السني والشيعي

ليس سرا على من يتابعون القضايا الإقليمية والدولية عن كثب الطموحات التوسعية لإيران ومساعيها الرامية إلى تكوين مناطق نفوذ في كل المنطقة، كالعراق وسوريا واليمن، بل حتى تركيا والسعودية، من خلال هويتها الشيعية الظاهرة أحيانًا، ومن خلال أساليب سرية أحيانًا أخرى، كضمّ حركات وتيارات سنية في جوهرها، كالإخوان المسلمين وحركة حماس، وأمثالهما في العالمين العربي والإسلامي. وكذلك ليس سرًا مدى نجاحها في هذا المضمار، وأفضل مثال على ذلك “تركيا أردوغان” التي أخضعتها لسياساتها بفضل توريطها إياها في فضائح الفساد والرشوة وخرق العقوبات الدولية المفروضة عليها. فعلى الرغم من أن تركيا تُصنَّف ضمن المحور السني، غير أنها تترنح بين العالمين السني والشيعي / الفارسي، وتتأرجح بين المعسكر الغربي بقيادة أمريكا وأوروبا والمعسكر الشرقي بقيادة روسيا والصين، مذبذبة بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، فلا تستطيع أن تتخذ مواقف واضحة صارمة، وأن تضع سياسات مستقلة أصيلة بشأن قضايا المنطقة والعالم.

وكما هو ملاحظ فإن بعض دول المنطقة، وعلى رأسها السعودية ومصر، تسعى إلى ملء الفراغ في العالم السني الحاصل من انضمام تركيا إلى المحور الأوراسي أو المعسكر الشرقي. ومع أن نائب وزير الخارجية الإيراني سيد كاظم سجادي دعا في كلمة ألقاها بمنتدى الأمن الدفاعي التركي- الخليجي في مدينة إسطنبول، الذي انطلق  في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، كلاً من مصر والمملكة العربية السعودية إلى التعاون مع إيران مثل تركيا، إلا أن هاتين الدوليتن تحاولان تطبيق سياساتهما المستقلة الأصيلة لتصدي المشاريع الإيرانية في إطار المعادلات الإقليمية والدولية الراهنة، وتركِّزان على كسب الحركات السنية المخطوفة من طرف إيران أو الواقعة تحت سيطرتها. وفي هذا الإطار تعد الاتفاقية التي توصلت إليها حركتا حماس والفتح الفلسطينيتان برعاية القاهرة حول استقالة السلطة في قطاع غزة وتسليمها كل السلطات والمعابر  الحدودية والأمور الأخرى إلى حكومة الضفة، في مسعى لتوحيد الصف الفلسطيني، من أهمّ “الأهداف” التي سجلتها مصر والسعودية في مرمى إيران.

تركيا والوليد بن طلال

ومن جانب آخر، فإذا أخذنا في الاعتبار وجود وليد بن طلال، المعروف بعلاقاته الاقتصادية العملاقة مع الحكومة التركية ورئيس بلدية إسطنبول السابق قدير توباش خاصة، بين المحتجزين، فإنه يمكن القول إن أردوغان كما أنه حرم من “مصدر اقتصادي قوي” كذلك سُحب من يده أهم “ورقة ضغط” كان يملكها، كما أشرنا إلى ذلك سالفًا، وهذا الأمر سيقوّي بلا شك يد السعودية والدول العربية الأخرى في أزمة قطر المدعومة من طرف تركيا وإيران.

ولذلك يلفت بعض المحللين الانتباه إلى توقيت العملية الصادمة في السعودية ويؤكدون ضرورة تجنب تفسيرها بالمصادفات الصرفة؛ إذ تزامنت تلك العملية مع تصريحات الحريري الشديدة المذكورة، وإطلاق بالستيّ على العاصمة الرياض من اليمن التي تشهد حرب الوكالة لإيران.

ومع أننا نعتقد أنه من السابق لأوانه تكوين قناعة يقينية واضحة المعالم حول الماهية الحقيقية للعملية السعودية، والدوافع التي تقف وراءها، لكن من الممكن تصنيفها ضمن مظاهر وانعكسات الصراع الدائر بين السعودية التي تسعى لإحراز  زعامة المحور السني وإيران المهووسة بـ”الهلال الشيعي”، بل يمكن أن تكون لها أبعاد تتعلق بالصراع السائد بين حلف شمال الأطلسي الناتو والمعسكر الأوراسي بقيادة روسيا والصين.

أما تركيا فهي ما زالت مشغولة بالسعي للتأكد من صحة وقوع البالستي على الرياض من عدمها، بحسب تعبير إبراهيم كالين، المتحدث باسم أردوغان!

ما نتمناه من السعودية هو أن تستكمل التحقيقات المفتوحة بكل الشفافية والنزاهة حتى النهاية لتتبين الحقيقة، وأن لا تقع في الخطأ الذي وقعت فيه تركيا، عندما تدخلت حكومة أردوغان في تحقيقات الفساد الجارية وأغلقتها وعاقبت جميع القضاة والأمنيين المشرفين عليها، إلى جانب المؤسسات الإعلامية ومنظمات المجتمع المدني الداعمة لهم.

وأختم بهذا السؤال المفتوح للنقاش: هل السعودية كشفت بهذه العملية الذراع السعودية لـ”الشبكة  التركية” التي وظفتها إيران في اختراق العقوبات الأمريكية والأممية المفروضة عليها وحوّلت وجهتها من الولايات المتحدة وأوربا إلى نفسها وروسيا؟ وهل السعودية تتخذ تدابيرها لتبقى حرة مستقلة دون أن تستسلم لسياسات إيران بسبب “ضعاف النفوس” مثل تركيا؟!

ليست هناك تعليقات