الشعر منجز حيوي، ولمعة خيالية وجو روحاني، وضرب من التصوير، وصياغة يتألق وميضها في سماوة الفكر من لب المرء
لتنبعث أشعتها إلى صحيفة القلب تفيض بلآلئها نورا يتصل خيطه بأسلة اللسان، فتنفث بألوان من الحكمة ينبلج بها الحالك ويهتدي بدليلها السالك، او عاطفة وسجل ذكرى لأروع الدقائق وأسعدها في أسعد العقول وأروعها، بأجمل الكلمات في أدق نظام
يولد الشعر من رحم الحياة، مُرافقا ومكملا للمسيرة الإنسانيّة ومُعبرا عنها وعن حاجاتها، بكل عيوبها ومحاسنها وشُموخها وانكساراتها وأفراحها وآلامها، وصوتا للضمير وللحقيقة، ولهذا فهو يصفها ويظهرها، وليس فنا مُستطرأ على الحياة أو مكملا ترفيهيّا، ولا هروبا من الأسى كما يتصور البعض، انما فيه ما يعالج الواقع ويعيد تفكيكه لكشف الحقيقة بأسلوب مصور له، بليغ في بيانه، مفصح عن نظم كلماته، في تعابير لغوية ذكية قادرة على التأثير والديمومة والتوسع بمشاعر نابضة ناطقة، بلغة تتوافق دلالة المعاني مع جمال منطوق الألفاظ، وهو جزء تامّ غير منقُوص أو مَقروض، يتكامل ويتداخل ويتلاحم ويتساوى، في القيمة والأهمية مع العُلوم الطبيعية والإنسانيّة والفنون والمعارف، ويُلخص في أبياته مراحل التاريخ البشري بكل رقيه وتطوراته وتباطئه وانحداراته.
تتشكل المعاناة عند الشاعر ألما أو فرحا او حزنا أو استنكارا أو ترنما بالحياة.. إلخ، وسمي الشاعر لأنه يشعر من معاني القول وإصابة الوصف بما لا يشعر به غيره، وبهذا يقود بها الآخرين إلى رؤية أوسع للأمور وآفاق أخرى أرحب، فاللوحة المرسومة بلون واحد هي لوحة باهتة احادية النزعة غير واضحة الملامح ومحدودة المعالم والاتجاهات، بينما الحياة هي لوحة متنوعة المعالم والاتجاهات، متعدّدة الأَطراف والزوايا، والألوان لكُلّ لون بصمته الخاصة والمميّزة، ولكُلّ زاوية منظورها.
دور الشعراء مهم في بناء الحضارات والدول، ولا يخفى الأثر الذي خلفه الكثير من الشعراء في بناء الفكر الإنساني، فأثرى أدبهم وفكرهم تطور الامم وأغنى مسارها، وكما انه لا يُمكن إلغاء دور المُرشدين ولا المُفكّرين ولا الفلاسفة والمعلمين، هكذا أيضا لا يُمكن إلغاء دور الشعراء والشّعر، ولهذا نحن نعاني من التخلف والفساد، بسبب تدني مستوى الشعر، وغياب لدور الشّعراء في بناء التنمية والارتقاء بالمجتمع؛ فلا نجد لهم دورا في تشكيل وتصوير القضايا بحس مسؤول، وبناء وجهات النظر الموضوعية، وتأطيرها وبلورة الفكرة المطلُوبة وتقديم المعالجة للقضايا المطروحة.
حجاج بوخضور
ليست هناك تعليقات