لا ترتبط ظاهرة التسول بمكان وأشخاص معينين، فهي منتشرة في كل بلدان العالم الغنيّة والفقيرة منها، وتختلف أشكالها وطرقها بين مجتمع وأخر لاعتبارات عديدة،
غالبًا ما يلجؤ لها من تقطعت بهم سبل العيش في ظل أنظمة اقتصادية لا ترحم، كما أنها أيضًا تحولت في أماكن عدة إلى ما يشبه المهنة التي اعتاد أصحابها النزول بشكل يومي يجوبون شوارع المدن الكبرى أفرادًا أو مجموعات منظمة مستغلة مشاعر الناس وعواطفهم.
اللاجئون القادمون عبر البحر أو طرق التهريب الأخرى إلى فرنسا يجدون صعوبة كبيرة قد تدفعهم وأسرهم للتسول
مع وصول أعداد كبيرة من السوريين إلى أوروبا وإلى فرنسا بالذات، حيث تختلف ظروف اللجوء بحسب القوانين، ولا يجدون مخيمات يقيمون فيها خلال أيامهم الأولى في فرنسا، فيتوجب على السوريين الذين أتى أغلبهم بعد حصولهم على فيزا من سفارات فرنسا في تركيا ولبنان والأردن ضمن برامج من الأمم المتحدة أو تلك السفارات، أن يحصلوا على ما يشبه الكفالة من أحد ما لاستقبالهم في أشهر إقامتهم الأولى ريثما يحصلون على أوراق رسمية ويصبح بإمكانهم التقدم للحصول على المساعدات الاجتماعية التي تقدمها الحكومة الفرنسية لجميع مواطنيها بما فيهم اللاجئين.
إلاّ أن القادمين عبر البحر أو طرق التهريب الأخرى ووجدوا أنفسهم في فرنسا بلا مأوى ينتظرون دورهم ليباتوا هنا أو هناك، أولئك يجدون صعوبة كبيرة قد تدفعهم وأسرهم للتسول في ظل غياب دور فاعل لجمعيات سورية منتشرة في فرنسا، بالإضافة إلى السوريين الذين تم رفض طلبات لجوئهم ويتوجب عليهم المغادرة، أولئك أيضًا مع العائلات القادمة من إيطاليا وإسبانيا ممن لم تتوفر لهم إمكانيات العمل كتلك التي يحصل عليها اللاجئين في شمال غرب أوروبا.
هذا نموذج ممن تطاردهم حملات مكافحة التسول من سوريين آخرين يرون أن ما يقومون به يسيء إلى صورة السوري في فرنسا.
يأخذ أحد الشباب السوريين المقيمين في فرنسا على عاتقه مهمة النزول إلى شوارع معينة في العاصمة باريس وتتبع خطى مجموعة أشخاص يصورهم ويسألهم لماذا يقفون ويتسولون بهذه الطريقة التي يصفها بالمعيبة وغير اللائقة، لتتطور مهنة الرجل وتصل به حدّ التعرض للأشخاص الواقفين وتصويرهم بكاميرا جواله ونشر تلك الفيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي دون أي مبرر، جاعلًا من نفسه وصيًا على تحركاتهم باسم الهوية السورية. مما دفع بالكثيرين للهرب منه والامتناع عن الحديث معه، مكررًا عبارته الشهيرة "هؤلاء ليسوا سوريين لأن السوري لا يشحد" القصة التي بدأت بتلك الفيديوهات سرعان ما تحولت إلى حملة يقودها هو ورفاقه تحت اسم
Le syrien n'est pas mendiant.
في محاولة من أصحاب هذه الحملة لوقف التسول باسم السوريين، وهذه الحملة سرعان ما لاقت ترحيبًا عند البعض وأثارت غضب البعض الأخر من الذين رأوا أن ما يحدث هو شأن شخصي ولكل إنسان الحق باختيار ما يفعل.
أطلق بعض الشباب السوري في فرنسا حملة بعنوان "السوريون ليسوا شحادين" دفاعًا عن ما اعتبروه الهوية السورية
في هذا السياق، تقول
ريم، طالبة جامعية: "ليس من المنطقي قيام تلك الحملات في هذا التوقيت بالذات، هل التسول في سوريا مسموح وخارجها عيب، ومن أين أتى القائمون على الحملة بمصطلح (سمعة السوريين) هل حقًا يمكن أن تطلق سمعة واحدة على ملايين من الناس، هؤلاء المتسولون أخر من يُسيء لسمعة السوريين إذا افترضنا جدلًا أن هذه التسمية صحيحة. أظن أن هناك أمورًا معيبة غير التسول يجب فضحها، أ لم يتاجر بنا السياسيون في كل مكان، زد على أن هناك مئات الجمعيات الخيرية التي تجني مئات الدولارات يوميًا على حساب قضيتنا. أنا لست مع هذا النوع من الحملات، والسوريون اليوم يمرون بظروف صعبة في كل مكان في العالم".
شعار الحملة هو
(السوريون ليسوا شحادين)، بتلك الكلمات يحاول القائمون على الحملة تقديم حملتهم في الدفاع عن هويتهم حيث كتب أحد المتبنين للحملة "لم يكن غريبًا أن يضيق السوريون ذرعًا بهذه الصورة الغريبة عنهم، ليطلق شباب في فرنسا حملة حماية لاسم بلدهم وحماية هويتهم السورية".
هوية يرى
أحمد، مهندس المعلومات القادم حديثًا إلى فرنسا، بأنها ليست حكرًا على أحد، فكل إنسان يمثل نفسه في النهاية. "أ لم يحصل القائمون على الحملة على حق اللجوء بسبب هويتهم؟؟ هل يستطيع أن يمنع أي سوري سوريًا أخر من الحصول على حقوقه تحت أي مسمى. هذا غير منطقي، هؤلاء المتسولون بعضهم غير سوري ويستغل قضية الشعب السوري وهناك سلطات مختصة في دولة قانون تقوم بمكافحة التسول، وهناك سوريون أخرون دفعتهم الظروف للتسول، ولا يحق لأحد تجريدهم من هويتهم".
والسؤال هنا هل تكفي غيرة القائمين على الحملة على هويتهم للتعامل مع مسألة معقدة مثل قضية التسول، وهل يمتلك القائمون على الحملة أدوات للتفريق بين من دفعته الحاجة للتسول وبين الذين تديرهم مافيات تدر على أصحابها مبالغ خيالية، دون الوقوع في مشاكل وتصادم مع تلك المافيات هم بغنى عنها؟ أم أن هدف الحملة يبقى فقط للفت نظر المجتمع الفرنسي لقضية لا تشغل بال كثيرين ولا يقيمون لها وزنًا على اعتبار أن هناك عشرات الآلاف من المشردين في فرنسا، في الوقت الذي تشهد فيه البلاد مرحلة الانتخابات الرئاسية.
ليست هناك تعليقات