أخبار الموقع

اهــــــــلا و سهــــــــلا بــــــكم فــــــي موقع مجلة منبر الفكر ... هنا منبر ختَم شهادةَ البقاءِ ببصمةٍ تحاكي شَكلَ الوعودِ، وفكرةٍ طوّت الخيالَ واستقرتْ في القلوبِ حقيقةً وصدقاً " اتصل بنا "

« هيبة المواطن » ... بقلم : عزالدين مبارك



  « هيبة المواطن »
    بقلم : عزالدين مبارك                               
   12/5/2017


«  مجلة منبر الفكر » عزالدين مبارك  تونس 12/5/2017


كل الهيئات والتجمعات والأحزاب وكذلك المنظمات وبعض السلطات الفاعلة في الدولة تبحث عن تحصين مواقعها ونفسها من المؤاخذة القانونية والمراقبة والمحاسبة لتفعل ما تشاء بلا رقيب ولا حسيب غير الضمير والاخلاق والعرف الجاري به العمل 

وفي هذا تعدي وتجاوز لهيبة الدولة الحامية للفرد والمجتمع من كل تعسف وجنوح نحو الشطط والتجاوزات. فحسب منطق العدل والانصاف في دولة القانون والمؤسسات وحقوق الانسان يجب أن تسري قوانين الدولة على الجميع بنفس القدر والقيمة المعيارية 

وليس هناك فئة معينة تكون فوق القانون ولا تخضع لنواميسه حسب مبدأ المساواة أمام القانون كما ليس من العدل في شيء أن تتميز بعض الفئات بالمحاباة القانونية وتكون لها حماية من المساءلة والمحاسبة لأي سبب كان.

وبما أن المواطن هو أصل الدولة ومبعث وجودها فلا بد أن تعود الهيبة كلها له ولا تحتكرها القلة وإن كانت صاحبة التفويض لتمثيله والنيابة عنه وبذلك يتم تأسيس دولة المواطنة وتحقيق مبدأ هيبة المواطن الملتزم بحقوقه وواجباته. 

فنحن مازلنا نعيش ذهنية السلاطين والامبراطوريات القديمة بحيث كل الفئات التي تدور في فلك الحاكم من قضاء وجيش وشرطة وحاشية لا تخضع لأي قانون غير قانون الطاعة العمياء للسلطان الذي يملك سلطات شبه إلهية وهي بالتالي غير معنية بالقوانين النافذة على المواطنين العاديين الذين لا يستطيعون الشكاية بهؤلاء وأخذ حقوقهم منهم بالقانون فيصمتون على الضيم والقهر ولا يجرؤون على البوح بذلك علنا.

وهكذا تأسست الديكتاتوريات في العالم فهناك دولة الحاكم المحصنة بالسلطات الواسعة وعدم المحاسبة والخضوع للقوانين مثل باقي الناس والرعية وأصبحت عرفا نتوارثه عبر حقب التاريخ حيث ظهرت الملكيات والجمهوريات الملكية 

ورغم ظهور دولة حقوق الانسان في الغرب القريب منا فلم يتغير نمط تفكيرنا إلا من حيث الشكل والقول وهناك دولة ثانية للمواطن العادي والرعية المقهورة حيث البؤس والطاعة العمياء والتسول أمام باب السلطان. فعندما تقرأ نص الدستور والقوانين (حتى في عهدي بورقيبة وبن علي) لا ترى فرقا جوهريا بيننا وبينهم لكن عندما تشاهد الواقع ترى عجبا عجابا.

فالمسألة مسألة عقليات وذهنية متجذرة في الأعماق الدفينة وكأننا مازلنا في مسالخ العبيد نحب تعذيب ذواتنا للتخلص من الذنوب والأدران ونبحث عن الهروب من النقد والمساءلة للتحصين ومراوغة الواقع والقانون فالمهم أن نكون في بحبوحة من العيش الرغيد وليذهب الآخرون إلى الجحيم وبئس المصير.

فمن هيبة المواطن أن يعيش في دولته وبلده كريما محترما بحيث لا يتعسف على حقوقه أي كان ومن حقوقه الأساسية الأمن والعيش الكريم والتعليم والصحة ما دام يقوم بواجباته ويدفع الضرائب ويحترم القوانين وبذلك تكون الدولة مطالبة بالقيام بواجباتها نحوه.

فالدولة التي تحترم ذكاء المواطن ولا تتعسف عليه سوف لن تجد منه غير القبول والاحترام والامتثال للقوانين وبالعدل واحترام حقوق الانسان تتحقق هيبة الدولة بصفة فعلية كما تتحقق هيبة المواطن ويتم القضاء على التطرف والارهاب وليس بسن القوانين الزجرية المكبلة للحريات والتي لا تطبق إلا على المواطن المهمش والضعيف.

وإذا ضعفت الدولة في الأعوام الأخيرة بحكم التجاذب السياسي وعدم الكفاءة وانتشار الفساد فمن غير المعقول تحميل المواطن البسيط وزر ذلك وترك المتسببين في هذا الوضع يصولون ويجولون بدون مساءلة ومحاسبة وقد تغولت بعض الفئات وأصبحت تتحكم في دواليب الدولة لخدمة أجندات خاصة .

وللتفصي من استحقاقات العدالة الانتقالية والمحاسبة يحاول هؤلاء شطب الماضي بجرة قلم وكأن شيئا لم يكن بالدخول في متاهة المصالحة الوطنية التي هي لعبة توافقات حزبية وشخصية ضيقة ليس للمواطن البسيط فيها لا ناقة ولا جمل ولا هم يحزنون.

فالذي يؤخر الدولة من الانطلاق الفعلي نحو التقدم هو غياب المشروع أولا فالمحاصصة الحزبية في ظل الأقطاب البرلمانية الغير متجانسة والمتخوفة من بعضها البعض رغم مساحيق التلاطف الكلامي لا يمكن أن تؤدي إلى فعل حاسم وجدي ثم عدم القدرة على محاربة الفساد ثانيا لأن هذه الآفة هي التي تعطل عمل الدولة بغياب ثقة المواطن فيها وفي مسؤوليها وتردد المستثمرين وتهرب أصحاب المداخيل الكبيرة من دفع الضرائب وتفشي ظاهرة الاقتصاد الموازي والتهريب وعدم إيجاد حلول جذرية له بحكم أن وراءها قوى خفية ومتنفذة.

وبما أن هيبة الدولة في عرف الدول المتخلفة لا تسلط إلا على المستضعفين والذين لا يملكون الجاه والمال فجميع الاصلاحات كانت وبالا على الطبقة الوسطى وخاصة جموع الموظفين الذين وحدهم تقريبا يدفعون الضرائب وبالتالي هم المساهمون في دفع مصاريف الدولة وتسيير دواليبها. والكثير من الساسة والمحللين يتهمونهم بالتقاعس والتغيب عن العمل ولا يعلمون عن ظروف العمل شيئا حيث تفشت المحسوبية والفساد ولا مبالاة أهل القمة وغياب الامكانيات والتصرف العقلاني في الموارد البشرية والمادية والحوكمة الرشيدة.

فليس كمن يمسك بالجمر كالذي يده في الماء البارد وليس كمن يعيش ضنك العيش والكدح كمن يتمرغ في النعيم وفي بحبوحة الرغد وبين يديه الخدم والعجم فيقول كلاما مسترسلا لا معنى له وهو بذلك يعيش الوهم والخديعة والانفصام في الشخصية. فصدق القول وفهم الواقع من أسس المعرفة الصحيحة التي تؤدي للإصلاح المفيد وما عدى ذلك يعد لغوا وتزايدا في الكلام وتلاعبا بالعقول و''ميمونة تعرف ربي وربي يعرف ميمونة''.


*عز الدين مبارك كاتب ومحلل سياسي 

 اقرأالمزيد لـ عزالدين مبارك


لإرسال مقالاتكم و مشاركاتكم
يرجى الضغط على كلمة  هنا 

ليست هناك تعليقات