(1)
ها أنَذا أغتسلُ، هذا الشّتاء، مثلَ غزالةٍ تحتَ زخّاتِ المَطَرِ. صوتُ اللّهِ ما زالَ يمشي على الطّينِ المُسجّى من أوَّلِ الزّمانِ حتّى آخرِ الأَرض. رموشُ المَرأةِ الأولى تتناثرُ من جدائلِ الغابةِ التي تعرّتْ فوقَ المصطبةِ المَيِّتة. وأنا ورقةٌ أخذَتْها الرّياحُ، أنامُ هُنا في مساحةِ الوقتِ الرّصاصيِّ المُستقطَعِ من دفترِ الأيّام، في انتظارِ شالٍ من أجنحةِ الفراش، ورداءٍ من شدوِ العنادل.
هنا أنا، بلا جواز سفرٍ؛ قلبي الصّغيرُ ينامُ، على هَديلِ الرّذاذِ، في صدرِيَ المثقوبِ بالحُبِّ البِدائيِّ، مثلَ حفنةِ فخَّارٍ كسَّرتْها الفُصولُ، على وقعِ أقدامِ اللّهفةِ القادمة.
(2)
للسَّماءِ ستائرُ تردُّ الشّمسَ عنّي، وترميني في الرّمادي؛
رمادٌ يدلُّني على أنّني كنتُ هناك، أنسجُ فساتينَ الإلهاتِ بفرشاةٍ من النّارِ والهواء.
رمادٌ يخلطُ الأنبياءَ والشّياطينَ في لُعبةِ الأضداد، على رملِ شرقٍ لا يبالي بالجِهات.
رمادٌ يعيدُني إلى زمنِ مناراتِ المواقدِ والخيامِ واستجارةِ النّوقِ بالرّمضاء.
ورمادٌ يورقُ ريشًا مُلوّنًا على سريرِ صديقتي العنقاء.
وأنا، في هذا الشّتاء، ورقةٌ أخذَتْها الرّياحُ؛ أنامُ هنا في حِضْنِ المعادِن الخامِ، في انتظارِ تحليقةِ سُنونوَّةٍ ترسمُ دائرةً بينَ عاشقَيْن. أنامُ هنا، لأكتحلَ بالأضواءِ القاتمةِ ولأجمعَ ما تكسّرَ من قلبي على حجرِ الرّصيف.
(3)
ورقةٌ أنا في قبضةِ الرّيحِ. بخارٌ يصعدُ من مناخِرِ الخيلِ وآلهةِ الخِصبِ التي أتعبَتْها الحروبُ والخيباتُ. سَحابةٌ عاقدةُ الحاجبَيْن تسكبُ الماءَ الباردَ على جمرةِ نجمةٍ خافتةٍ في البعيد. لهَبٌ ثلجيٌّ ينقطُ من يراعةٍ فوسفوريّةٍ في عتمةِ المغارات.
وأنا، في هذا الشّتاء، أُلملِمُني من العناصرِ الأولى، أُلملِمُني من رَوْثِ البشريّةِ المُعتَّقِ، من رُفاتِ العمالقةِ الذين اندثروا، من جُزازاتِ الجِلدِ المزركشِ باللّغاتِ البائدةِ، من الحروفِ الذّاويةِ على ورَقِ البَردي، من شرنقةِ المومياء، من الأعشابِ المتساقطةِ من الحدائقِ المعلَّقةِ بخيطٍ نحيفٍ، من رُكامِ القصائدِ التي فقدَتْ صلاحيّتَها، من حُطامِ المرايا الحجريّة، ها أَنَذا ألملمُني، من رقصةِ الأبوريجيّينَ حولَ مشاعلِ الدّهشةِ البِكْرِ، وأصعدُ، أصعدُ، هذا الشّتاءَ، في ساقِ طحلبةٍ على وشكِ الاخضرارِ في صَدَإِ دبّابةٍ مُبلَّلةٍ.
ليست هناك تعليقات