أخبار الموقع

اهــــــــلا و سهــــــــلا بــــــكم فــــــي موقع مجلة منبر الفكر ... هنا منبر ختَم شهادةَ البقاءِ ببصمةٍ تحاكي شَكلَ الوعودِ، وفكرةٍ طوّت الخيالَ واستقرتْ في القلوبِ حقيقةً وصدقاً " اتصل بنا "

« ثلاثية العقل مقابل ثنائيته عند محمد أرگون » ... بقلم : ضياء الشكرجي



 « ثلاثية العقل مقابل ثنائيته عند محمد أرگون » 
  بقلم :  ضياء الشكرجي
  22/1/2017


« مجلة منبر الفكر »   - ضياء الشكرجي


هذه هي الحلقة الثلاثون من مختارات من مقالات كتبي الخمسة في نقد الدين، حيث سنكون مع مقالات الكتاب الثاني «لاهوت التنزيه العقيدة الثالثة».

ضياء الشكرجي

ليس من قبيل أن أضع نفسي في مصافّ عملاق من عمالقة الفكر كمحمد أرگون، عندما أقول في مقابل ما يتبناه محمد أرگون من ثنائية فينعت أحد طرفيها بالعقل الفلسفي والثاني بالعقل الديني، أني أجد تقسيمي له ثلاثيا، وليس ثنائيا، ذلك بإضافة العقل العلمي. فأقول عن هذه الثلاثية:
أجد أن العقل الديني (النصي-الوحيوي-المقدس) والعقل العلمي (المادي-التجريبي-الحسي) قد احتكرا حق مناقشة موضوعة الإيمان، إثباتا عند الأول، اعتمادا على نصوصه (المقدسة)، ونفيا عند الثاني، اعتمادا على معطيات تجاربه وبحوثه العلمية (المقدسة) هي الأخرى عند مريديه على نحو آخر، ومنح لنفسه كل منهما حق نفي العقل الفلسفي. وإذا قيل أن من (اللاهوتيين/الإلهيين) الدينيين من هم عقليون، أقول حتى هؤلاء العقليون من الدينيين لم يكونوا عقليين على طول الخط، بل كانوا عقليين في حدود عدم المساس بالخطوط الحمراء للمساحة المقدسة المحرمة، فلم يكونوا عقليين إلا بقدر ما استخدموا آليات المنهج العقلي، للهروب من شكوك العقل الفلسفي في الكثير من مسلماتهم ونهائياتهم ومقدساتهم، فاعتمدوا [من حيث لا يشعر الكثيرون منهم] التبريرية المتلبِّسة بلباس العقل الفلسفي، هذه التبريرية التي من شأنها أن تحوم حول العقل وتلامسه، دون أن تجرؤ على وغوله حق الوغول، عبر تحويلهم الممكن العقلي على سبيل المثال إلى واجب عقلي، هذا الواجب العقلي الذي إنما أسميه مُدَّعي الوجوب العقلي، أو المُدَّعى له بالوجوب العقلي، أو المتوهَّم بوجوبه العقلي.

أما العقل العلمي فهو الآخر تبنى منهجا أصوليا شموليا مدعيا احتكار الحقيقة، كما هو الحال مع العقل الديني، فبحث عن الله في عالم المادة، وبأدوات العلوم الطبيعية التجريبية، ولم يكتف بالقول بأنه لم يجده، باعتبار أن ليس كل ما لم يجده العلم غير موجود بالضرورة، بل راح ليدعي أنه اكتشف عدم وجوده.

وفي تصوري أن كلا المنهجين قد أخفقا في البحث، لأنهما أنكرا للفلسفة وللعقل دورهما في بحث قضية وجود الله، فراح الدين يُكفّر الفلسفة، والعلم يُسفّهها. ولا نريد أن نرتكب ما ارتكبه كل من الدينيين والعلميين في دعوى احتكار الحقيقة، وحصر المعرفة في الوحي عند فريق، وفي التجربة عند الآخر، غافلين عن (العقل)، المصدر الأهم والحاكم على كل من التجربة والوحي، أو لنقل النص الديني، لأن افتراض أنه وحي إلهي يبقى افتراضا، أما المطلوب إثباته والبرهان، فحيزهما الفلسفة، وليس التجربة، ولا النص الديني. ومع هذا يبقى الكثير من المعارف الإنسانية المستقاة من الفلسفة ومصدر العقل معارف نسبية، وليست مطلقة، ويبقى خطأ العلم، إذا ما صحت نظريتنا، مجرد خطأ، ولا يشكل ضررا أو خطرا، بينما شكل ويشكل خطأ الدين ضررا وخطرا على الإنسانية، وعلى كل المعاني الجميلة، بما في ذلك المعنى التنزيهي الجميل لله، عبر ادعائه امتلاك واحتكار الحقيقة المطلقة النهائية.

[وأضيف، وأنا أراجع الموضوع لغرض نشره، إنه حتى مع إثبات العلم، ألا حاجة لوجود خالق، فإنه لا يستطيع أن يثبت وجوب عدم وجود الخالق، أو بتعبير آخر امتناع وجود الخالق علميا، ففرق بين عدم وجوب الوجود، ووجوب العدم، أو بين عدم وجوب الوجود، وامتناع الوجود، وقد بينت أكثر من مرة، لاسيما في الحلقة التاسعة عشر، إن هدفي بالمقام الأول نفي الدين، أكثر من أن يكون هدفي إثبات وجود الله، لكني كإلهي لاديني إنما أسلك بالدرجة الأساس طريق الإيمان بالله إلى نفي الدين، ولكل طريقه الذي يسلكه بإثبات شيء أو نفي شيء آخر.]

[ولو إن هناك من علماء الطبيعة من آمن بالله، وأبرز مثال في وقتنا الحاضر هو ميشيو كاكو أحد أبرز علماء الفيزياء حاليا، والذي يذهب إلى أنه طور نظرية يمكن أن تكون مؤشرا على وجود الله، وما طرحه من معلومات بهذا الصدد أثار الاهتمام الكبير في الوسط العلمي، لما يتمتع به كاكو من سمعة، كونه يعد واحدا من أهم علماء الطبيعة لعصرنا الراهن، فهو يقول أنه يملك أدلة على عثوره على قوة مؤثرة تنظم كل شيء، حيث إن حساباته قادته إلى نتيجة بأننا نعيش داخل منظومة حسابية (أو رياضية)، وقال بالضبط ما نصه:
«إني توصلت إلى النتيجة بأننا موجودون في عالم يستند إلى قوانين، خلقها كائن ذكي.» 
ثم يضيف: «صدقوني إن كل ما نعتبره اليوم صدفة، لم يعد من الآن بالإمكان وصفه بالصدفة، فبالنسبة لي أصبح ثابتا عندي أننا موجودون ضمن خطة محكومة بقواعد، والتي أي هذه القواعد، جرى خلقها وتصويرها (أو تشكيلها) من قبل ذكاء (أو كائن ذكي) كوني، وليس من قبل الصدفة». بينما يذهب زميله ستيفان هاوكنغ إلى أنه لا يرى الإله كعنصر لازم لنشوء الكون، فهو يجد حل لغز بداية نشوء الكون يكون حسب توقعه من خلال البحوث حول المادة المعتمة والطاقة المعتمة، فليس الله هو الذي أوقد الانفجار الأول عنده من أجل أن يخرج إلى حيز الوجود.

من هنا فليس كل الذين يعتمدون العلم والتجربة في تفسير بداية الوجود هم ملحدون، وهذا ما نبهني إليه مشكورا في تعليق له الكاتب والباحث في قضايا الفسلفة طلال الربيعي. وكما أقول وليس كل الذين اعتمدوا الفلسفة في البحث عن أصل وتكون الوجود هم إلهيون. لكني أردت أن أشير إلى ثنائية أو ثلاثية على النحو العام.]





  ضياء الشكرجي
 كاتب و مفكر عربي عراقي

  

لإرسال مقالاتكم و مشاركاتكم
يرجى الضغط على كلمة  هنا


ليست هناك تعليقات