ما قبل المسرحية الإنقلابية، حسب البعض، وما بعدها، وأكثرية التحالف الأردوغاني تتجّه إلى إحداث تعديلات دستورية تعزّز قبضة الرئاسة على الحُكم في تركيا.
التعديلات الدستورية والقبضة الحديدية على السُلطة تنتهي بحسب التجارب المُماثِلة، إلى ما يُشبه السلطة الإمبراطورية. ومن هذه التجارب، ما سبق أن خصصّ لها كارل ماركس كتاباً هاماً، يُعدّ الكتاب السياسي الأساسي، وربما الوحيد له قياساً بأعماله الاقتصادية والنظرية هو الثامن عشر من "برومير" (إسم الشهر وقت تنصيب الأمبراطور ).
ففي كتابه ناقش ماركس ما انتهت إليه فرنسا في عهد نابليون الثالث (إبن أخ نابليون الأول) وكيف تحوّلت من جمهورية برلمانية، إلى جمهورية رئاسية، ثم إلى إمبراطورية.
وباستعارة لقول هيغل الشهير (يُكرّر التاريخ نفسه مرّتين، مرّة على شكل تراجيديا، ومرّة على شكل كوميديا)، قارنَ نابليون الأول وحالة التراجيديا التي انتهى إليها، وبين نابليون الثالث كحالة كوميدية.
ويُشار هنا إلى أن بريطانيا سبقت فرنسا في هذا التحوّل بين الجمهورية والإمبراطورية، فبعد (ثورة كرومويل) التي سبقت الثورة الفرنسية وأُعدِم خلالها الملك شارل الأول، عاد شارل الثاني بإيقاع مماثل.
وبالعودة إلى (الثامن عشر من برومير بونابرت) فإن لهذه الظاهرة ملامح تسمح بالمُقارنة مع أردوغان منها:
1. السيرة الذاتية للبرجوازي الصغير وأحلامه وأوهامه.
2. القاعدة الإجتماعية، وهي خليط من الفلاّحين وأوساط من الطبقة الوسطى.
3. الخطاب الشعبوي الذي يُذكِّر أيضاً بما كتبه غوستاف لوبون في كتابه (سيكولوجيا الجماهير)، باعتبار هذه الجماهير أشبه بالقطيع الغوغائي التي تُسكت أيّ (صوت) يُناهض الزعيم.
4. الأهم من كل ذلك، حسب ماركس، هو (الصفقة الكبرى) بين بونابرت وبين البرجوازية الكبيرة، بحيث تتنازل هذه البرجوازية عن الشكل السياسي لصالح بونابارت مقابل الدفاع عن مصالحها و خوض حروبها بالخطاب الشعبوي، الإقليمي أو الطائفي ... الخ
ولو قارّنا القراءات السابقة بالحالة الأردوغانية التركية، لوجدنا أننا أمام استحضار آخر للظاهرة البونابرتية في المرة الثانية للتاريخ (الكوميديا)، ذلك أن المرة الأولى هي التي عاشها مصطفى كمال أتانورك من دون إعلان إمبراطوري، ولاتزال صورته الضخمة تُشكّل الخلفية الثابتة لكل الزعماء الأتراك.
أما في الحالة الأردوغانية، الحالة الكوميدية، فكل شروط البونابارتية متوافرة، من سيرة البرجوازية الصغيرة، إلى القاعدة الإجتماعية من الفلاّحين وأوساط من الطبقة الوسطى، إلى الخطاب الشعبوي الخليط من الطورانية والإسلام السياسي، إلى الصفقة الكبرى مع برجوازية الأناضول، إلى النهاية أيضاً، وهي المصير المحتوم للبونابرت في المرتين، التراجيديا والكوميديا ...
فقد انتهى نابليون الأول في سجن (هيلانة) بعد معركة "واترلو"، وانتهى نابليون الثالث لاجئاً سياسياً في بريطانيا بعد أن دفعته البرجوازية للحرب ضدّ ألمانيا.
تركيّاً، إذا كان أتاتورك قد تجنّب نهاية كنهاية نابليون الأول، برفضه التورّط في الحرب العالمية الثانية، فإن أردوغان في حروبه الداخلية والخارجية قد لا يحظى باللجوء السياسي الذي حَظِيَ به نابليون الثالث، فالكوميديا السياسية غالباً ما تكون سوداء.
ليست هناك تعليقات