« القدس تكشف خيانة فخامات الملوك والرؤساء العرب وتنسف “علاقات الغرام” مع إسرائيل » يقلم : زهير أندراو
حالة النشوة التي تسود إسرائيل، دولة وقيادةً وشعبًا، لا تختلف بالمرّة عن الحالة التي ميّزت دولة الاحتلال عقب عدوان حزيران (يونيو) من العام 1967، وهو الانتصار العسكريّ الأخير الذي حققته إسرائيل في حروبها، كما أكّد مؤخرًا وزير الأمن الإسرائيليّ المُتشدّد، أفيغدور ليبرمان.
فحتى أشّد الإعلاميين في الصحافة العبريّة على مختلف مشاربها معارضةً لرئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو، فضّلوا السير وفق ثقافة القطيع الصهيونيّة، وأكّدوا بالبنط العريض على أنّ نتنياهو سجلّ لنفسه في هذا الأسبوع انتصارًا دبلوماسيًا بارزًا، كما أنّ الإعلان الأمريكيّ، تابعوا قائلين، فتح الباب أمام دولٍ أخرى، ومنها التشيك والفلبين، لإعلان اعترافها بالقدس كعاصمةٍ لإسرائيل، وربمّا نقل سفاراتها إليها. علاوة على ذلك، شدّدّوا على أنّ إعلان ترامب يُعتبر انتصارًا سياسيًا بالنسبة لنتنياهو لأنّه لا يوجد أيّ منافسٍ أوْ شريكٍ في الأحزاب الموجودة على يمين ميرتس، يتجرأ على السماح لنفسه بالتحذير من نتائج هذا القرار.
مُحلّل الشؤون العسكريّة في صحيفة (هآرتس)، عاموس هارئيل، قال إنّه على صعيد الجمهور الإسرائيليّ، تغيّرت نظرته إلى الجيش الإسرائيليّ، وهو ما تحدث عنه قائد هيئة الأركان العامّة، الجنرال غادي آيزنكوت في محاضرته قبل يومين بإيجازٍ شديدٍ. وعن علاقة هذا الجمهور بنتنياهو عقب ملّفات فساده رأى المُحلّل أنّه لن تشكّل تغيّرًا حقيقيًا، إذْ أنّه يُعتبر بنظر هؤلاء القائد الوحيد الذي رغم كل فساده قادر على إدارة المعارك والحروب والمواجهة. وساق قائلاً إنّه عندما يُصبح على الجمهور الإسرائيليّ أنْ يختار بين تنظيف الإسطبل من قائدٍ فاسدٍ، أوْ الإبقاء على الأخير لكونه قادرًا على مواجهة ما أسماها بـصدمة الذاكرة التي تركتها العمليات الاستشهادية، فحتمًا سيضع الأمن في سلّم أولوياته، على حدّ تعبيره.
في الميدان، يُمكن استعارة سؤال ختمت فيه صحيفة “يديعوت أحرونوت” أحد تقاريرها أمس: ألسنة اللهب تشرئب في الشرق الأوسط، بعدما ألقى ترامب بعود الثقاب؟، حيث استمرت ردود الفعل في العالمين العربيّ والإسلاميّ، في اليومين الماضيين، بالاحتجاجات والتظاهرات، والاشتباكات على المستوى الفلسطينيّ.
وبحسب المُحلّل هارئيل، الابن المُدلل للمؤسسة الأمنيّة في دولة الاحتلال، فهو ردُ فعلٍ لا ينبع فقط من كون القدس تُشكّل رافعةً دينيّةً مهمةً بالنسبة إليهم، وإنمّا لأنّهم لا يريدون وجودًا إسرائيليًا في المنطقة، على حدّ قوله، ويُمكن القول، لا الفصل، إنّ اعترافه إنْ دلّ على شيء فيدلّ على أنّه مهما تباهت إسرائيل بتحسّن صورتها في العالمين العربيّ والإسلاميّ، ومهما استشهدت بإحصاءات ومسوغات ميدانية عن ارتفاع “نسب الحب” لها، فإنّ قضية فلسطين تنسف ذلك في كلّ مرّة.
المُحلّل من حيث يدري أوْ لا يدري وضع النقاط على الحروف في قضية العلاقة بين الأنظمة العربيّة والإسلاميّة، التي تُهرول للتطبيع مع الكيان الإسرائيليّ، وبين الشعوب العربيّة والإسلاميّة التي ترفض رفضًا قاطعًا وشاملاً أيّ علاقةٍ مع هذه الدولة التي زُرعت في فلسطين على حساب الشعب الذي شُرّد وهُجر في النكبة المشؤومة عام 1948. علاوةً على ذلك، بات مؤكّدًا وجود حالة انفصال وانفصام بين النظام العربيّ الرسميّ وبين نبض الشارع الرافض لأيّ تسويّةٍ مهما كانت مع دولة الاحتلال.
غربيًا وإسرائيليًا، تحدث هرئيل، عن أنّ ما يجمع عليه هؤلاء هو الاعتقاد بأنّ العرب والفلسطينيين هم كتلة بشرية هائلة غير قادرة على تفريغ غضبها إلّا في الشارع في ردود فعل غير قابلة للسيطرة. ولذلك فمن المتوقع بحسبه أنْ تنطلق موجة احتجاجات، تصلح مقارنتها بأحداث الخليل عام 1990، أوْ أحداث نفق حائط البراق عام 1996، وحتى الانتفاضة الثانية التي اشتعلت عقب اقتحام رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، أرييل شارون، المسجد الأقصى عام 2000، ومن ثم موجة العمليات المستمرة منذ 2014، مؤكّدًا في الوقت عينه على أنّ التطورات الجديدة تتزامن مع الذكرى الثلاثين لانتفاضة الشعب الفلسطينيّ الأولى.
بالنسبة للجبهة الشماليّة، قال هارئيل، فإنّ إصرار إيران على مواصلة الوجود في جنوب سوريّة، وفي أعقاب ذلك الهجوم الجويّ المنسوب لإسرائيل، تُواجَه في هذه الأثناء بلامبالاة روسيّة، على الأقل نحو الخارج، موضحًا أنّ استمرار التصعيد من شأنه أنْ يؤدي إلى تصادمٍ بين إسرائيل وإيران.
وأشار إلى أنّ سفير إسرائيل في واشنطن، رون ديرمر، قال في هذا الأسبوع في مقابلةٍ مع موقعٍ أمريكيٍّ في الإنترنت “بوليتيكو” إنّ حربًا في الشمال، بالذات في الأراضي السوريّة، أصبحت إمكانيةً قريبةً أكثر، وتختتم المُحلّل متسائلاً: هل علاقة نتنياهو بوتين ستُساعد على منع الحرب؟.
زهير أندراوس
ليست هناك تعليقات