أخبار الموقع

اهــــــــلا و سهــــــــلا بــــــكم فــــــي موقع مجلة منبر الفكر ... هنا منبر ختَم شهادةَ البقاءِ ببصمةٍ تحاكي شَكلَ الوعودِ، وفكرةٍ طوّت الخيالَ واستقرتْ في القلوبِ حقيقةً وصدقاً " اتصل بنا "

« كايروستيبس وسعاد ماسي: الموسيقى في الصدارة مجددًا » بقلم : محمد جمال



لا يكف فنان العود باسم درويش وفرقة كايروستيبس عن مفاجأتنا بمغامراتهم الموسيقية غير المتوقعة. باسم العائد إلى القاهرة بقوة مع فرقته التي أسسسها في ألمانيا منذ عدة سنوات بالتعاون مع عازف البيانو «سباستشان مولر»، بدا وكأن لديه مشروعا طموحا لإعادة إحياء موسيقى الجاز وخلطها بمزيج فريد يمزج موسيقات قبطية وصوفية وكلاسيكية وأوروبية وأمريكية.

والمتابع لنشاط باسم وفريقه الصاروخي يدرك أن هذا رجل لا يهدأ فخلال شهور قليلة أتحفنا باسم بحفلات عدة تعاون فيها مع الشيخ إيهاب يونس والمنشد علي الهلباوي والمطربة مروة ناجي والمرنمين مونيكا جورج وبيتر غطاس بجانب إطلاق ألبوم جديد تم تصوير شريط الفيديو الخاص به في مصر تحت اسم – يحمل نصيبا كبيرا من سحر كايروستيبس الهابط على أرض المحروسة – «البساط الطائر».

هذا النوع من الاجتهاد والانضباط العظيمين كافأ باسم وكايروستيبس بشدة، فوصلت مرات الاستماع والمشاهدة لمقطوعاتهما المختلفة على شبكات التواصل الاجتماعي إلى ملايين المرات في زمن قياسي، وربما يستطيع الفنان المصري والفريق الأوروبي تحقيق ما لم يستطع أحد من قبلهما تحقيقه، وهو جعل «الجاز» موسيقى شعبية في مصر يستمع إليها الجميع.

وفي آخر شطحاته الإبداعية، قرر باسم وفريقه التعاون مع الفنانة الجزائرية الكبيرة «سعاد ماسي» وإقامة حفل يجمعهما معا، ولسعاد قاسم كبير مشترك مع كايروستيبس، فهي أيضا تعشق دمج أنواع كثيرة من الموسيقى مثل الروك والكانتري والفادو البرتغالي والفلامنكو الإسباني، واستطاعت دمج كل ذلك من خلال مشروعها في كتابة أغاني بوب وعزفها وغنائها، استطاعت بها أن تأسر لب ملايين من محبيها العرب، ولمصر نصيب كبير منهم.

الحفل أقيم على بعد كيلومترات قليلة من أهرامات الجيزة، في بقعة عالية تنحرف مبتعدة قليلا عن طريق مصر إسكندرية الصحراوي، مما أعطى المكان نفسه خصوصية كبيرة بعيدا عن زحام القاهرة وضوضائها. وساعد الحضور على الاستمتاع بليلة صيفية هادئة، يفترشون مكانا صحراويا، ويتلحفون بسماء ترصعت بالنجوم، ويتنفسون موسيقى تخاطب الروح، في أجواء صوفية بامتياز.

وعلى الرغم من تأخر موعد بدء الحفلة والمعاناة من بعض الصعوبات التنظيمية الأخرى، لكن ما إن بدأ باسم في اللعب على عوده وبدأ صوت سعاد في الصدوح حتى نسي الجميع كل تلك المتاعب الهامشية، وتركوا مشاعرهم وتركيزهم بشكل كامل مع الموسيقى. كنت أجلس في صف بعيد قليلا عن المسرح وسمعت جارتي تتحدث إلى صديقتها، كانا يبدوان أنهما من متابعي سعاد ولا يعرفان كايروستيبس، قالت جارتي: «عازف العود هذا رائع»، قالت الأخرى: «نعم، أعتقد أنني لن أكف عن الاستماع لكايروستيبس بعد الآن».


شخصيا وعلى الرغم من متابعتي الجيدة لسعاد، لكني وجدت صعوبة في فهم لهجتها المغاربية، لكن لا يهم، اندمجت سعاد بأغانيها الشهيرة مع كايروستيبس ليصبحا وحدة موسيقية وإبداعية واحدة متخطية حدود اللغة نفسها، وهذا بالضبط ما يميز فن كايروستيبس وهو العودة بالـ«موسيقى» نفسها للصدارة، والتي تراجعت بشدة مؤخرا على حساب كلمات أغاني البوب، وحساب تلميع نجوم ومطربين تجاريين بعينهم مما نتج عنه ظلم كبير وفادح للموسيقى والموسيقيين أنفسهم.

اندمجت سعاد –التي تألقت في فستان أبيض شديد الأناقة من إبداع مصممة الأزياء المصرية الموهوبة «آمنة الشندويلي»- مع عود باسم، وبيانو سباستشيان، وناي راجيد، وإيقاعات ماكس، وعشرات غيرهم على المسرح من عازفي كايروستيبس الألمان والمصريين، وانضم إليهم ضيف مجهول – لا أعلم اسمه – بدا قادما من الجزائر مع سعاد رجل شارف سن الستين يلعب على الرق ويغني وراء سعاد بصوت شديد العذوبة والعمق والدفء.

في منتصف الحفل وأثناء الاستراحة، قمت باختطاف باسم درويش من الدكتورة إيناس عبد الدايم (مدير دار الأوبرا التي حضرت دعما لباسم وكايروستيبس وترحيبا بضيفة مصر سعاد ماسي)، وهنأته بالحفل الرائع، ما أدهشني من هذا الرجل رهيف الحس هو جملته التي رد بها علي ضاحكا: «مش عارف هو الواحد مخضوض ليه؟»، نظرت إليه غير مصدق ولأعضاء فريقه المايسرتو/ سباستشان وعازف الدودوك راجيد، وكان يبدو في ابتسامتهم الهادئة ونظراتهم الوادعة الكثير من الأشياء، احتراما غامرا لمهنتهم ولجمهورهم ومهمتهم، كان الأمر بالنسبة لي خياليا وعصيا على التصديق، هؤلاء الأشخاص يصنعون تاريخا للموسيقى بشكل حقيقي في مصر.

تذكرت في هذه اللحظة المفارقة المضحكة/المبكية لما آل إليه الذوق العام في مقابل ما يحاول باسم وفرقته – وآلاف مؤلفة غيرهم من المبدعين والمؤلفين والموسيقيين والإعلاميين والمهتمين عموما بإثراء المشهد الثقافي المصري- تحقيقه، تذكرت حوارا كنت شاهدته قبل ساعات بين عمرو أديب عندما استضاف سعاد ماسي، حيث بدا وكأنه يستضيف كائنة فضائية لا يستطيع التخاطب معها ولا فهم خلفيتها الثقافية الراقية، وربما أوحى عمرو بهذا الشعور عن عمد –بحسه شديد السخرية الذي يصل لحد الصدمة أحيانا- ليوحي للمشاهد الفطن مدى الهوة بين ما وصل إليه مجتمعنا المغموس تماما في ثقافة شعبوية، وبين أولئك الذين يحاولون انتشاله إلى أفق ثقافي وفني وإبداعي أرحب وأثرى وأشمل.

إلا أنه بوجود كايروستيبس وسعاد ماسي وآلاف المبدعين غيرهما، ومع وجود منصات إعلامية محترمة تفهم وتحترم وتدعم ما يقوم به هؤلاء –ومنهم برنامج صاحبة السعادة للفنانة الكبيرة إسعاد يونس الذي استضاف باسم وفرقته مؤخرا- فلا خوف على الموسيقى، ولا خوف على الذائقة العامة، فالقادم أفضل، والصدارة للفن المحترم لا محالة.

ليست هناك تعليقات