أخبار الموقع

اهــــــــلا و سهــــــــلا بــــــكم فــــــي موقع مجلة منبر الفكر ... هنا منبر ختَم شهادةَ البقاءِ ببصمةٍ تحاكي شَكلَ الوعودِ، وفكرةٍ طوّت الخيالَ واستقرتْ في القلوبِ حقيقةً وصدقاً " اتصل بنا "

« أسطورة قلعة "ماسادا" اليهودية.. ترويج لبطولة زائفة » ... بقلم : محمد علي فقيه


أسطورة "ماسادا" هي إحدى الأساطير اليهودية التي تروّج للبطولة والشجاعة لدى اليهود بزعم الاستناد إلى بحوث تاريخية واكتشافات أثرية والتنقيب في التراث اليهودي.

قلعة مسادا في صحراء النقب في فلسطين المحتلة

"ماسادا" هي قلعة تقع على مرتفع صخري بارز في شرق صحراء النقب الفلسطينية بالقرب من البحر الميت. وتُعرف أيضاً بـ"مسعدة" وترتفع عن سطح البحر المتوسّط حوالى 49 متراً، وعن سطح البحر الميت 424 متراً ، وعن المنطقة المجاورة قرابة 300 متر. ويقابل هذا التلّ على الساحل الأردني ما يُعرف بمنطقة اللسان عن البحر الميت وتبعد عن هذا  البحر نحو 25 كلم، وتنحدر الصخرة في سفحها الشرقي انحداراً حادّاً يبلغ نحو 400 متر مقابل البحر الميت، ويبلغ ارتفاع الصخرة عن سطح البحر نحو مائة متر، وطول قمّتها نحو 600 متر وعرضها نحو 300 متر، ويصل إليها الإنسان بممر جد متعرّج اسمه "ممر الثعبان" وبممر آخر اسمه "الصخرة البيضاء".

تؤكّد الموسوعة اليهودية (عبد الوهاب المسيري-دار الشروق –القاهرة) صحّة أسطورة "ماسادا". لكن المصدر الوحيد للمعلومات عن هذه الأسطورة والخرافة، جغرافياً وتاريخياً، هو كتابات يوسيفوس فلافيوس أو يوسيپوس باللغة اليونانية أو باسمه العبري الأصلي يوسف بن ماتيتياهو(38-100 للميلاد، تقدير) الذي كان أديباً مؤرّخاً وعسكرياً يهودياً رومانياً عاش في القرن الأول للميلاد، واشتهر بكتبه عن تاريخ اليهود والتمرّد اليهودي على الإمبراطوية الرومانية والتي تلقي الضوء على الأوضاع والأحداث في فلسطين خلال القرن الأول للميلاد.

يقول يوسيفوس إن "ماسادا كانت في الأصل محصّنة، وتقول الموسوعة إن هيرود "ملك اليهود الذي نصّبه الرومان على القدس" حوّل صخرة "ماسادا" إلى قلعة حصينة بين عام 37 وعام 31 قبل الميلاد، وهنا تنقطع المعلومات عن "ماسادا" بعد موت هيرود - والرواية دائماً للموسوعة اليهودية - ويحتمل أن حامية رومانية قد أقامت في القلعة من عام 6 إلى عام 66 بعد الميلاد.

وقد اندلعت حرب بين اليهود أنفسهم فهرب مناحيم بن يهودا الجليلي من القدس ومعه جماعة من القنائين وهاجم القلعة واحتلها بالحيلة والخداع، وبعد أن قُتل مناحيم هذا التحق ابن أخيه واسمه إليعازر بالقلعة، وأصبح قائداً لحاميتها حتى سقوطها عام 73 بعد الميلاد، وخلال هذه الفترة كان بعض القنائين يلتحقون بالقلعة حتى بلغ عددهم 960 رجلاً وامرأة وطفلاً.

والقناؤون هم إحدى الفرق اليهودية التي تشكّلت في فترة ظهور المسيح عليه السلام وتزعّمها يهودا الجليلي عام 6 قبل الميلاد، لحضّ اليهود على رفض الخضوع لسلطان روما، وقد تبعته في حركته الجماهير اليهودية التي أفقرها حكم أثرياء اليهود المتعاونين مع الرومان. ويتّسم فكر القنائين بأنه فكر شعبي مشبع بالأساطير والخرافات، ويرى بعض المؤرّخين أن هذه الفرقة مجموعة من المتعصّبين الذين لجأوا إلى القيام بأعمال الاغتيال والفوضى ضدّ الرومان وضد اليهود أنفسهم، وكانوا يرتكبون جرائمهم علناً في الطرق ويمارسون أعمال النهب واللصوصية والفتك، ولهذا فقد أطلق عليهم إسم "السفّاكون". ومن أجل هذا يعد المؤرّخون هذه الفرقة ضمن الفرق السياسية أو فرق العصابات.

في عام 72 بعد الميلاد سار الحاكم الروماني فلافيوس سيلفا إلى قلعة "ماسادا" على رأس الفرقة العاشرة وبعض القطعات المساعدة، وآلاف من أسرى الحرب اليهود، وبعد حصار طويل فتح سيلفا ثغرة في سور ماسادا، وبدأ إليعازر بن يائير يقنع أتباعه بأن ينتحروا فيقتل بعضهم بعضاً وهكذا حتى يفنوا جميعاً، فذلك خير من أن يقعوا في أيدي الرومان، وألقى فيهم خطبته الحماسية العصماء حثّهم فيها على الموت الجماعي بدل الاستسلام والسقوط في مهانة الأسر وقال في مطلعها: "لن نكون أبداً خدماً للرومان ولا لأي أحد غيرهم سوى الله نفسه .. فهو الحق والعدل .. وهو ربّ البشرية".

وقد أطال يوسيفوس في وصف الساعات المأساوية الأخيرة لقلعة "ماسادا": خطاب إليعازر وانتحار 960 رجلاً وامرأة وطفلاً، وحرق الأبنية ومخازن الأغذية.

تقول الموسوعة اليهودية إن المؤرّخ يوسيفوس أخذ الحكاية كلها عن امرأتين اختفتا في كهف مع خمسة أطفال، فلم يشتركوا في "الانتحار الجماعي".

من أبرز وقائع التزوير والاصطناع في أسطورة ماسادا، وأكثرها وقاحة، إغفال الكتابات الصهيونية ذكر حقيقة أن هناك مصدراً وحيداً للأسطورة، وهذا المصدر مشكوك ومطعون فيه، وهو كتابات المؤرّخ اليهودي يوسيفوس فلافيوس.

يذكر المؤرّخ مصطفى الدبّاغ في كتابه بلادنا فلسطين (دار الطليعة – بيروت 1965) أن أول من وصل إلى قلعة مسعدة، أو مسادا، كما يلفظها اليهود، الرحّالة الأميركي روبنسون في عام 1838. وما أن حل عام 1842 حتى عرفها عدد من المُكتشفين. وفي عام 1932 أجرت بعثة ألمانية بإدارة شولتن وإشراف الجمعية الألمانية للدراسات الفلسطينية أربعة مواسم تنقيبية، تبيّن بنتيجتها أن القلعة تغطي مساحة من الأرض قدرها حوالى تسعة هكتارات، ولها سور يحيط بالهضبة ويبلغ طوله 1,300 متر فيما يراوح عرضه بين 4 و6 أمتار. هذا إلى جانب اكتشاف مستودعات وقصر صغير وآخر كبير (60×48م) ذي ثلاث باحات ومجموعة من المساكن وكنيسة من العهد الصليبي وبوابة وأبراج وخزانات مياه.

ويضيف الدبّاغ: وبين عامي 1963 و1965 قامت الجامعة العبرية وجمعية الاستكشافات الإسرائيلية ومديرية الآثار بإجراء تنقيبات أثرية كان هدفها سياسياً محضاً. وعلى الرغم من الضجة الضخمة التي رافقت هذه التنقيبات والتسهيلات الكثيرة التي وضعتها الحكومة الصهيونية  للبعثة الأثرية، فإن نتائجها لم تكن مهمة. وتفتقر النشرات التي صدرت حول تلك النتائج إلى الروح العلمية ودقّة البحث.

وبعدها جاء مؤرّخ صهيوني معاصر هو الجنرال ييغال يادين، فأصدر كتاباً في عام 1966 هدف فيه إلى جعل الأسطورة / الخرافة لقلعة "ماسادا"، حقيقة تاريخية، إذ أجرى في القلعة حفريات أثرية ورسم لها خرائط ومخطّطات وأعاد بناء بعض البيوت والمرافق.

وفي مقابل المفهوم الإسرائيلي الرسمي وعلى النقيض منه، كشف باحثان يهوديان هما: ويبسي روز مارين التي كتبت في صحيفة "جويش بوست" بتاريخ 24-8-1970 أن نتائج دراستها تؤكّد أن "مسادا" محضّ خرافة وأسطورة وأنه لا يمكن التدليل على سلامة الاكتشافات الأثرية.

المؤرّخ الثاني هو الإسرائيلي نخمان بن يهودا الذي كشف في كتابة "أسطورة مسادا" الصادر عام 1995 "أن الأشخاص الذين احتموا بالقلعة هرباً من بطش الرومان كانوا في الواقع من اللصوص وقطّاع الطرق؛ ممن ارتكبوا العديد من المذابح، بينها مذابح ضدّ قرى يهودية. كما كانوا مكروهين من جانب المؤسّسة اليهودية آنذاك، ولم ينظر إليهم أحد كأبطال قوميين".

محمد علي فقيه باحث لبناني.

ليست هناك تعليقات