أخبار الموقع

اهــــــــلا و سهــــــــلا بــــــكم فــــــي موقع مجلة منبر الفكر ... هنا منبر ختَم شهادةَ البقاءِ ببصمةٍ تحاكي شَكلَ الوعودِ، وفكرةٍ طوّت الخيالَ واستقرتْ في القلوبِ حقيقةً وصدقاً " اتصل بنا "

« بين حوار الأديان وحوار أهلها » ... بقلم : محمد علّوش



 « بين حوار الأديان وحوار أهلها »  
    بقلم :   محمد علوش           
   16/9/2017


« مجلة منبر الفكر »  محمد علوش     16/9/2017


على مَدار يومين استضافت "جامعة المعارف" و"الجمعية اللبنانية لتقدّم العلوم" مؤتمراً تحت عنوان "نحو ثقافة الحوار بين الأديان" برعاية رئيس الجمهورية اللبنانية. وقد خلص المؤتمر الذي شُرِّفت بالمشاركة فيه عبر تقديم ورقة بحث تحت عنوان "‏الجامع الأزهر وثقافة الحوار.. تجارب عملية" إلى توصيات عديدة، وشكّل "لجنة" لمتابعة التوصيات، وتحويلها إلى تطبيقات عملية.

إن أهم ما ورد في تلك التوصيات التي خلصت إليها مداولات جلسات المؤتمر، في تقديري، تتجسّد في التوصية الأولى التي دعت إلى "تعزيز إنسانية الإنسان" في الحوار بين أهل الأديان. إذ إنه حتى يومنا هذا، لا يزال النّاس يخلطون بين "حوار الأديان" و"حوار أهل الأديان".

ففي "حوار الأديان"، غالباً ما تتّجه الجهود نحو انتصار أو إبراز فضل أو تفوّق دين على آخر. ويسعى كل طرف جهده للتبشير بدينه والتبخيس في  ديانة الآخرين وإظهار عيوبها وتناقضاتها، عِلماً أنه ليس بالضرورة أن يفضي الحوار بين الأديان إلى التناطُح بقدر ما بإمكانه السعي إلى تعزيز المشترك بينها في القِيَم العُليا مثل: الإيمان، الصدْق، الأمانة، الوفاء، التضحية، الاحترام، التراحُم، الإحسان، التسامُح وغيرها من القِيَم التي أضحت قِيَماً إنسانية عالمية، لا تختصّ بدين أو مذهب أو عِرق أو مجتمع.

أما الحوار بين "أهل الأديان" فهو على الضدّ من طبيعة ما تنتهي إليه أغلب حوارات الأديان، حيث يفصل هذا النوع من الحوار بين "الدِّين" الذي هو مُعطى سماوي مفارِق للإنسان، ويتكثّف حضوره في الإيمان المطلق بصدْق رسالة النبي أو الرسول، وبين "التديّن" الذي هو الفهم البشري "للدين" وطبيعة تلقّيه التي في العادة تكون متلبسة ومحكومة بالواقعين الاجتماعي والثقافي في زمن التلقّي.

إن أول خطوة لتفكيك الاشتباك بين أهل الأديان هو الفصل بين الدّين وبين اتباعه. فليس الدّين مسؤولاً عن ممارسات اتباعه حتى لو تمّت بدعوى تطبيقه والانتصار له.

ثانياً: التفريق بين "الدّين" في ذاته وبين " التديّن" الذي هو مفاهيم وتصوّرات مُنبثقة من الفهْم للدين. وبالتالي فهي غير معصومة ولا مفارقة "الزمكان" للرسالة المقدّسة.

بعد التسليم بالنقطتين أعلاه قبل الشروع في الحوار، ندرك أن الخلاف ستضيق مساحته، وتتحدّد طبيعته في الصراع بين المجتمعات أو داخل المجتمع الواحد المضطرب ثقافياً وسياسياً واقتصادياً حيث تتمترس كلّ فئة وتتكتّل في ما بينها على أُسُس إما جغرافية أو عِرقية أو دينية أو مذهبية. الدين هنا يُستدعى للحصول على شرعية الإجراء السياسي وتعزيز اللحمة بين الفئة المتجانسة، ولتجهيل الخصْم وتفسيقه وتضليله تمهيداً لسلبه الحقّ في الإنسانية ثم محُاربته والانتصار عليه إما معنويا أو فيزيائياً.

أهمية الحوار بين أهل الأديان أنه يسعى ابتداء إلى فكّ الاشتباك عبر تفكيك المنظومة التي رُكّبت في زمن التأزّم الاجتماعي وإعادة تشكيل الوعي بطريقة صحيحة عند اتباع الدين نفسه على أُسُس أكثر ملائمة لمقصد الدين من نزوله إلى الأرض.

الحوار بين أهل الأديان هو باختصار دعوة إلى الفصل بين الصِراع الاجتماعي والطبَقي فيه الذي هو من سنن "الاجتماع البشري"، وبين الدّين الذي يُضفي معنى على وجود الإنسان في الحياة ويمنحه القدرة على العيش وبناء الحضارة. هو دعوة إلى التعايش والتسامُح وفَهْم الآخر من تعريف الآخر لذاته وليس من تصوّري عنه.

‏ما أفهمه من "حوار الأديان" هو الانطلاق من هدف معكوس. فإذا كان الحوار بين الأديان في مفهومه التاريخي هو لانتصار دين على آخر، وحَمْل الناس على الاستجابة له، فإن المطلوب هو الانطلاق من الحوار نحو تأكيد حقّ الدّين في الحضور، ‏وليس تأكيد حقّ نفْيه أو تكفيره.

‏ثم إن ما ينقصنا نحن "المسلمين"، هو حاجتنا إلى حوار داخل الإسلام نفسه، أقصد بين المسلمين أنفسهم. لأن الإسلام اليوم تحوّل إلى حقل ألغام ينفجر بأهله نتيجة التفسيرات ‏المتضارِبة، والتأويلات النافِرة، والتوظيفات السياسية للنصوص تحت ضغط الصِراع القائم حول السلطة في العالم العربي.

المصدر: الميادين نت




محمد علوش
 معد ومقدم برامج سياسية في قناة الميادين. حاصل على دكتوراة عن أطروحته "السلفيون في سياق الدولة الوطنية". من مؤلفاته المنشورة: داعش وأخواتها. التيارات السلفية: الأفكار والتنظيمات.

لإرسال مقالاتكم و مشاركاتكم
يرجى الضغط على كلمة  هنا 


ليست هناك تعليقات