أخبار الموقع

اهــــــــلا و سهــــــــلا بــــــكم فــــــي موقع مجلة منبر الفكر ... هنا منبر ختَم شهادةَ البقاءِ ببصمةٍ تحاكي شَكلَ الوعودِ، وفكرةٍ طوّت الخيالَ واستقرتْ في القلوبِ حقيقةً وصدقاً " اتصل بنا "

« جوازُ ما لا يجوزُ .. » ... بقلم : فريد غانم



  « جوازُ ما لا يجوزُ ..  » 
    بقلم :  فريد غانم                                           
  17/2/2017


« مجلة منبر الفكر »
فريد غانم      17/2/2017


في اللَّيل، حينَ تخرجُ الأشياءُ الصّغيرةُ من مخابئِها، تتَّخذُ الأرضُ هيئةَ باذنجانةٍ مُخدَّدَةٍ. سماءٌ كقبضِ الرّيحِ ما تزالُ تُلقي ألغازَها على بَوَّاباتِنا، وتقتلُنا عندَ الاختلافِ على مستقبلِ الفعلِ الماضي أَوْ حاضرِ سوفَ. تخلعُ السَّماءُ فستانَها السّماويَّ وتلقيهِ على لُغةٍ ما زالت تتمَلَّصُ من معانيها. أشياؤنا تُبَدِّلُ سَحَناتِها. سراجُ اللّيلِ[1] القديمِ يُضيئُ زاويةً نسيناها، في زَحمةِ الهَمِّ والوَهْمِ، ويعلنُ بلهجةٍ ديكارتيَّةٍ: أنا نورٌ بلا نارٍ. أنا أُضيءُ، إذن أنا موجودٌ. ذلك قبلَ أن يدوسَ عليْهِ خُفٌّ ثقيلٌ مُعتِمٌ.

والأرضُ، حينَ يتعرّى الأفقُ من بهارجِهِ، تصيرُ باذنجانةً بلديّةً، تُقلِّدُ اللَّحمَ المشويَّ، على حصيرةٍ عاريةٍ. صراصيرُ تمارسُ الغِناءَ الرّومانسيَّ على شبابيكِ الحَبيبات، بلا قيثارةٍ، في ثُقوبٍ خلفَ خزانةِ المطبخ. شمسٌ تُبعثِرُ شظايا النَّهارِ ارتعاشاتٍ على خَفَرِ نُجومٍ مُضبَّبةٍ.

سنقولُ، مثلما قالوا:
يجوزُ ما لا يجوزُ؛
 فأرُ الحقلِ سيأكلُ لِسانَ قطَّتِنا.
ملَّاحونَ سيأكلون ثآليلَهم وأنيابَ الفِئران في سفينةِ ماجِلّان.
عصافيرُ تطيرُ بدفعٍ سُداسيٍّ وتشدُّ نشيدَها بأسلاكِ الكهرباء.
راقصةٌ بلاستيكيّةٌ تسرِقُ منصَّةَ أمِّ كُلثومٍ وتحصدُ التَّصفيقَ من أحفادِ الطَّرَبِ الأصيلِ.
فراشاتٌ تصبغُ أجنحتَها بالصِّمغِ البتروليِّ وتبيضُ في تُوَيْجاتِ القنابل.
قاتلُ أطفالٍ يرتدي لحيةً ويصيرُ النّاطقَ الأوَّلَ والأخيرَ باسمِ اللّه.
ضرّاءُ تسرقُ وجهَ السَّرّاءِ وتبتسمُ فوقَ اللَّافتاتِ المُعلَّقةِ على صدورِ بناتِ لاس فيغاس.

ويجوزُ أن يفقدَ الجائزُ جوازَه؛
يجوزُ أنْ يكتبَ السَّجَّانُ سِفْرَ الحُرِّيّة.
يجوزُ أنْ تتدلَّى الأشجارُ المطليَّةُ بال" دي دي تي" مِن السُّقوفِ.
يجوزُ أن تستظِلَّ النَّخلةُ تحتَ طاقيّةِ فِطْرٍ قَزَمٍ.
يجوزُ أن تُقيمَ الأبقارُ مأدُبَةً من لحمِها.
يجوزُ أن تُقامَ الحدودُ على الخطِّ الفاصلِ بينَ جديلتيِّ طفلةٍ سمراء.
يجوزُ أنْ تُقامَ المعابرُ بين ثَغْرِ رضيعٍ وثديٍ مُسيَّجٍ بالأسلاك.
يجوزُ أن يُقامَ لِحِذاءِ الجنرالِ نَصْبٌ تذكاريٌ، ويُقَصَّ الشَّريطُ الافتراضيُّ بمقصِّ ليزر، عندَ أبوابِ المنازلِ المتداعِية.
يجوزُ أنْ تمتلئَ الينابيعُ بدماءِ عُلبةِ كوكا كولا.
يجوزُ أنْ يتنازلَ أنكيدو عن قامتِهِ ويَرتَغِدَ بوظيفةٍ حكوميّةٍ ومُخصّصاتٍ للعَجَزةِ في دولَةِ الرّفاه.
يجوزُ أنْ يتنازلَ الحلّاجُ عن عِشقِهِ، من أجلِ وظيفةِ محرِّكٍ للهواءِ على وجهِ الخليفةِ المُحْمَرِّ.
يجوزُ أن يخرجَ أوديبُ من مسرحيَّةِ سوفوكليس ويتركَنا بلا كاثارسيس.
يجوزُ أنْ يُنكِرَ المتنبِّي الخَيْلَ والبيداءَ والرُّمحَ والقلمَ، ليموتَ من شدّةِ السَّأَمِ.

ويجوزُ، حينَ يتكعّبُ الباذنجانُ، ما لا يجوزُ.
يجوزُ أنْ يُقيمَ الخُلدُ وَكْرًا ساطعًا على ناطحةِ سَحابٍ مكسورةِ الهَيْبةِ.
يجوزُ أنْ يَرِثَ بيلاطُس البُنطيُّ ثوبَ المسيحِ ويُقيمَ حانوتًا للملابس فوقَ التَّلّةِ العارية.[2] 
يجوزُ أن يغتصبَ أبو لَهَبْ عباءةَ صَحَابيٍّ ويُخيطَ منها خمسينَ فستانًا على مقاسِ "أولْترا ميني" لحمَّالةِ الحَطَبْ.
يجوزُ أنْ يحتلَّ طيرُ الخُضَّرِ عُشَّ الوقواق.[3]
يجوزُ أنْ تُضربَ دودةُ القزِّ عن بناءِ شرانِقها، وتطالبَ برفعِ أجرتِها في ساحةِ "تيانِن مِنْهْ"[4].
يجوزُ أنْ يصيحَ الطّفلُ: لماذا يسيرُ الملكُ مكسُوًّا بالجِلْدِ الخريفيّ؟
يجوزُ، حينَ يبكي التِّمساحُ على ضحيَّتِهِ، أنْ تكتُبَ الغوّاصةُ النّوويّةُ ألواحَ الوصايا، وأنْ يقيمَ الكانيبالُ[5] جمعيّةً نباتيّة.

ويجوزُ أنْ لا يجوزَ ما يجوزُ.
يجوزُ، حينَ يصيرُ الدّولارُ إلٰهًا، أنْ أبيعَ أحلامي، ساندويشاتٍ بالمَيونيز المُعلَّقِ على أشجارِ الأمازون، في مزادٍ علنيٍّ، قربَ الدّكاكين التي تُباعُ فيها مياهُ الوُجوه.
_____________________
إضاءات:
 (1) سراج اللّيل هو اليراعة، وهي دُبيبةٌ صغيرة تضيء بفعل تفاعلات كيماويّة-بيولوجيّة داخليّة، أو هذا ما يحكيه العلماء.
(2) بيلاطس هو الحاكمُ الذي حكم على المسيح بالصّلب. والتلّة العارية هي تلة الجلجلة أو "الجلجثة"، بالصّيغة العبريّة، حيث صُلب عيسى بن مريم.
(3) الوقواق طائرٌ طفوليٌّ، يضعُ بيضه في أعشاشِ عصافيرَ ساذجة، فتفقس البيضاتُ فراخَ وقواقٍ كبيرةً، تستعمرُ العُشَ وتلقي بفراخ العصافير إلى الأرض، فيما تقوم العصافير السّاذجة بتربية فراخ الوقواق.
(4) تيانن مِنْه، السّاحة الشّهيرة في بيجين، عاصمة دولة الصّين.
(5) الكانيبالُ هو آكلُ لحومِ أبناء جنسِه.




لإرسال مقالاتكم و مشاركاتكم
يرجى الضغط على كلمة  هنا


ليست هناك تعليقات